الإسلام بريء من الموروثات الاجتماعية الظالمة للمرأة براءة الذئب من دم يوسف!
اختلفت نظرة المجتمعات عبر التاريخ للمرأة، وذلك تبعاً لاختلاف المعتقدات الدينية والموروثات الاجتماعية السائدة في كل مجتمع، وقد كانت أغلب هذه النظرات نظرات مجحفة وظالمة للمرأة، فمنهم من كانوا يعدون المرأة من الحيوان الأعجم أو من الشياطين لا من نوع الإنسان، وكان بعض البشر في أوروبا وغيرها يرون أن المرأة لا يصح أن يكون لها دين، حتى إنهم كانوا يحرمون عليها قراءة الكتب المقدسة، ومنهم من كان يرى أن المرأة ليس لها روح خالدة؛ لذلك لا تكون مع الرجال المؤمنين في جنة النعيم في الآخرة، ومنهم من كان لا يعدها أهلاً للاشتراك مع الرجال في المعابد الدينية والمحافل الأدبية ولا في غيرهما من الأمور الاجتماعية والسياسية، وكان الزواج في قبائل البدو وشعوب الحضارة ضرباً من استرقاق الرجال للنساء، وبعضهم كانوا يحرِمون النساء من حق الميراث ومن التملك، وبعضهم كان يدفنها وهي حية خوفاً من العار…
وعندما جاء الإسلام أبطل كل تلك الموروثات والاعتقادات الظالمة بحق المرأة، وأعلى من شأنها ونظر لها بوصفها إنساناً كرمه الله تعالى كما الرجل هيأهما لخوض معترك الحياة بوصف الإنسانية وليس بوصف الذكر والأنثى، قال تعالى: ﴿ولقد كرمنا بني آدم﴾، ولكن للأسف فإن بعض المسلمين ما زال يتمسك بعادات وتقاليد بالية تنظر للمرأة نظرة دونية وتحط من مكانتها، والطامة الكبرى أن بعضهم يخلط هذه التقاليد بالأحكام الشرعية وينسبها للإسلام وهو منها براء، بل في بعض الأحيان يجعلونها فوق الأحكام الشرعية.
فلو نظرنا في الأمثال الشعبية المتداولة في البلاد العربية نجد أن فيها أمثالاً تُسيءُ للمرأةِ وتحطُّ مِنْ كرامتِهَا ومكانتها من مثل (شاور المرأة واخلف مشورتها)، وهذا المثل يتناقض معَ ما جاء في الآيةِ الكريمةِ في سورةِ الشُّورَى ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾، كما أنها تتنافى مع سيرةِ الرسولِ الكريمِ صلى الله عليه وسلم، فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يشاورُ أمهاتِ المؤمنينَ ويسمع لهن، وحادثة الحديبية وسماعه لِمشورةِ أمِّ سلمة رضي الله عنها دليل على ذلك، ومن الأمثال ما يَحضُّ على كراهيةِ الأنثى وتفضيل المولود الذكر من مثل: (يا مخلفة البنات يا عايشة في الهم حتى الممات) و(موت البنت سترة)، و(لمّا قالوا غلام، انسند ظهري وقام، لما قالوا بنية، انهد الحيط عليّ)،
فهذه الأمثالِ تدعو بدَعوى الجاهليَّةِ الأولى قال تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُو كَظِيمٌ *يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمون﴾، كما أن فيها اعتراضاً على رزق الله في الأولاد فالله تعالى يقول: ﴿للهِ مُلْكُ السَّمواتِ والأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا ويَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وإِنَاثًا ويَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾، كما أن الإسلام جعل المولودة الأنثى ستراً لوالدها من النار إن أحسن تربيتها قال صلى الله عليه وسلم: «من كانت لَهُ ابنة فأدَّبَها وأحسنَ تأديبَهَا وعلَّمَها فأحسنَ تعليمَهَا كانت له سِتْراً مِنَ النَّارِ».
وهناك من الأمثال ما يدعو إلى فقدان الثقة بالمرأة وعدم ائتمانها على سر مثل (لا تأمن للمرأة إذا صلَّت ولا للشمسِ إذا ولَّت) و(منْ أعطَى سرَّهُ لامرأتِه يا طول عذابه وشقائه) وغيرها من الأمثال التي فيها انتقاص من مكانة المرأة ولا يتسع المجال لذكرها.
أما فيما يتعلق بالزواج، فهناك العديد من الموروثات الاجتماعية الظالمة للفتاة والتي يتمسك بها البعض، بل ويجعلونها فوق الأحكام الشرعية في بعض الأحيان، ومن هذه الموروثات إجبار الفتاة على الزواج ممن تكره واعتبار أن رأيها لا قيمة له مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» رواه مسلم، أو قد يشترطون أن يكون الخاطب من نفس العائلة أو القبيلة أو من نفس المستوى المادي والطبقي لعائلة الفتاة متجاهلين حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير أو قال وفساد عريض»،
وبعض الآباء يشترط تزويج البنات حسب ترتيبهن العمري فلا يزوج من جاءها خاطب حتى تتزوج أختها الأكبر منها، بل إن بعضهم يعضلونها فيمنعونها من الزواج مطلقاً دون سبب شرعي، وقد نهى الإسلام عن منع المرأة من الزواج إذا جاءها خاطب قال تعالى: ﴿فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ﴾، ومن العادات المقيتة في هذا المجال الامتناع عن الزواج بالأرامل والمطلقات والنظر نظرة سلبية لهن، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج من نساء قد سبق لهن الزواج كأم سلمة وزينب بنت جحش، والصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتزوجون من الأرامل والمطلقات ويقومون على رعايتهن ورعاية أبنائهن.
ومن الموروثات الجاهلية التي أبطلها الإسلام ولا زالت موجودة إلى اليوم حرمان المرأة من الميراث، وحتى وإن طالبت بحقها هذا تُلام ويقاطعها أرحامها ولا تحصل على شيء، وهم بذلك يخالفون قول الله تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً﴾.
ومن الحقوق التي حرمت منها المرأة بفعل العادات والتقاليد الحق في العمل والحق في التعليم، فكثير من الفتيات يُمنعن من العمل في وظائف لا تتعارض مع أحكام الإسلام وتعاليمه لمجرد أن العادات لا تسمح بذلك، بل وبعضهم كما في السعودية ينسب هذا المنع للدين وهو منه براء، وكثير من الفتيات يُحرمن من حقها في التعليم بحجة (أن البنت ما لها إلا بيتها وزوجها)، وهناك مقولة أخرى شائعة في بعض البلاد العربية (المرأة لا تخرج من بيتها إلا مرتين مرة لبيت زوجها ومرة للقبر)،
وهذا الحرمان يناقض أحكام الإسلام، فقد أباح الإسلام للمرأة أن تخرج للحياة العامة وأن تعمل وتتعلم مع الالتزام بالضوابط الشرعية كالالتزام باللباس الشرعي وعدم الخلوة، وأجاز لها البيع، والإجارة والوكالة، وجعل لها أن تزاول الزراعة والصناعة كما تزاول التجارة، وأن تتولى العقود، وأن تملك كل أنواع الملك، وأن تنمي أموالها، وأن تباشر شؤونها في الحياة بنفسها، وأن تكون شريكة وأجيرة، وأن تستأجر الناس والعقارات والأشياء، وأن تقوم بسائر المعاملات، وذلك لعموم خطابات الشارع، وعدم تخصيص المرأة بالمنع. كما أنه أوجب عليها، حمل الدعوة ومحاسبة الحكام.
هذه هي بعض الموروثات الاجتماعية التي فيها ظلم ونظرة دونية للمرأة وقد بينا وجه مخالفتها للإسلام.
وفي الختام نقول: إن الأمة الإسلامية أمة عريقة، تستمد فكرها وثقافتها من الوحي وتنظم علاقة الرجل بالمرأة على أساس الأحكام الشرعية وليس على أساس العادات والتقاليد. وإن وجد بين المسلمين من يسيء للمرأة وينظر لها نظرة دونية فهذا ليس سببه الإسلام وأحكامه، بل سببه بُعد هؤلاء عن الدين وسوء فهمهم لأحكامه، فالإسلام رعى المرأة من خلال التشريع والتنفيذ من مهدها إلى مماتها.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
براءة مناصرة – فلسطين
2015_02_27_Art_Islam_is_innocent_from_unjust_social_legacies_of_women_AR_OK_1.pdf