Take a fresh look at your lifestyle.

سلسلة قل كلمتك وامش -ذكرى هدم الخلافة – الأستاذ أبو محمد الأمين

 

 

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

لقد جرت العادة في مثل هذه المناسبة أن تذكر أسباب هبوط الدولة الإسلامية وانهيارها وكيف قضى عليها الكافر المستعمر وقام عملاؤه الخونة المجرمون بإلغاء الخلافة التي كانت تجمع المسلمين في دولة واحدة يرتفع عليها راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وكيف تم تقسيم هذه الدولة العظيمة مترامية الأطراف إلى دويلات صغيرة بل إن بعضها أشبه ما يكون بالحارات في البلد الواحد حتى بلغ عدد هذه الدويلات أكثر من خمسين دويلة متناحرة متقاتلة.

إنني لا أريد أن أذهب في هذا المنحنى ولكنني أريد أن أبين وأقارن بن حال المسلمين في ظل دولتهم – دولة الخلافة- وكيف يعيشون هذه الأيام ومنذ أن هدم الكافر المستعمر الخلافة فأقول:

لقد عاش لمسلمون في دولة الخلافة في عزة ومنعة، لا ينازعهم منازع، وإن حصل فيقضون على من ينازعهم بالجهاد، فالجهاد كفيل بجعل المسلمين مرهوبي الجانب، حتى أن الرسول – صلى الله عليه وسلم- قال: ” نصرت بالرعب مسيرة شهر”، ويكفي أن نذكر الحوادث التالية لندلل على صدق ما نقول:

1-فهذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يأتيه وفد من عكل وعرينة فاستوخموا المدينة المنورة فأمر لهم بإبل وراع وأمرهم أن يخرجوا خارج المدينة فيأكلوا من لحومها ويتداوو بأبوالها، وما أن خرجوا حتى قتلوا الراعي، وأخذوا الإبل وهربوا، فأرسل – عليه السلام- نفرا ً من المسلمين فأرجعوهم. وفي المدينة أمر الرسول بإخراجهم إلى الحرة وهي منطقة خارج المدينة فأمر – عليه الصلاة والسلام- بسمل أعينهم وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وتركهم في الحرة يستسقون ولا يسقون حتى ماتوا.

2-وكذلك فإنه – عليه الصلاة والسلام- أمر المسلمين بحصار بني قريظة بعد حادثة الأحزاب لنقضهم العهد وتآمرهم مع قريش على المسلمين، وبعد الحصار استسلم بنو قريظة ونزلوا على حكم سعد بن معاذ -رضى الله عنه- الذي حكم فيهم حكما ً رضيه الله -سبحانه وتعالى- من فوق سبع سماوات؛ حكم أن تقتل المقاتلة وتسبى النساء وتصادر الأموال والسلاح.

3-وهذا أبو بكر الصديق – رضى الله عنه-، وأثناء حروب الردة قدم عليه وفد بني أسد وغطفان يسألونه الصلح فخيرهم – رضي الله عنه- بين حرب مجلية أو خطة مخزية، فقالوا: يا خليفة رسول الله، أما الحرب المجلية فقد عرفناها، فما الخطة المخزية؟ قال: تؤخذ منكم الحلقة والكراع، وتتركون أقواما ً تتبعون أذناب الإبل حتى يُرِيَ الله خليفة نبيه والمؤمنين أمرا ً يعذرونكم فيه، وتؤدون ما أصبتم منا ولا نؤدي ما أصبنا منكم، وتشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، وتدون قتلانا ولا ندي قتلاكم.

4-وفي معركة صفين بين معاوية بن أبي سفيان رحمه الله وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب- رضي الله عنهما- كتب ملك الروم إلى معاوية يعرض عليه المساعدة والوقوف بجانبع في الحرب فمتب معاوية إليه: ” والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين لأصطلحن أنا وابن عمي عليك ولأخرجنك من جميع بلادك ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت”.

5-وهذا أمير المؤمنين هرون الرشيد – رحمه الله تعالى- يكتب إليه نكفور إمبراطور الروم كتابا ً يطلب منه أن يرجع ما أخذ من أموال من الإمبراطور قبله ويهدد ويتوعد، فكتب إليه هرون الرشيد على ظهر كتابه: ” من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نكفور كلب الروم: الجواب ما تراه دون ما تسمع”، وسار بجيش من المسلمين هزم فيه كلب الروم وأخذ منه الجزية كما كان يأخذ.

6-وهذا ملك بريطانيا يكتب رسالة إلى أمير الأندلس يرسلها مع ابنة شقيقه التي ذهبت للدراسة جاء فيها: ” من جورج الثاني ملك إنجلترا والسويد والنرويج إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام:
بعد التعظيم والتوقير نفيدكم أننا سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج من هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أركانها الاربعة، وقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة (دوبانت) على راس بعثة من بنات الأشراف الإنجليز لنتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم، وقد زودت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص.

الإمضاء: من خادمكم المطيع جورج الثاني “.

7-وهذا المعتصم أمير المؤمنين تناديه امرأة من أقصى أطراف البلاد قائلة وآمعتصماه، فلما بلغه الخبر صاح لبيك ي أمة الله، وأخذ يعد الجيوش للثأر لتلك المرأة المسلمة، وأثناء إعداد الجيش جاءه المنجمون وقالوا له إن الوقت غير مناسب لغزو الروم الآن، وطلبوا منه تأجيل الغزو إلى ما بعد نضج التين والعنب، لكن المعتصم – رحمه الله- لم يستمع لقولهم، وقاد الجيش وانتقم لها بقتل أكثر من تسعين ألفا ً من الروم، مما أثار الشاعر أبا تمام وقال قصيدة طويلة يمجد فيها فتح عمورية حتى قال:

تسعون ألفا ً نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنبِ
8-ولا ننسى الخليفة عبد الحميد خان – رحمه الله- آخر الخلفاء الأقوياء في الدولة العثمانية فإنه حينما سمع أن الفرنسيين سيقومون بعرض مسرحية تسيء إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم- كتب إلى حكمة الفرنسيين طالبا ً عدم عرض المسرحية فامتثل الفرنسيون للطلب، وقررت الحكومة البريطانية عرضها فكتب لهم السلطان – رحمه الله- كما كتب للفرنسيين من قبل فأجابته الحكومة البريطانية بأن بريطانيا بلد ديمقراطي لا تستطيع منع عرض المسرحية، فكتب لهم مهددا ً بأنه سيذيع على جميع المسلمين في العالم بأن بريطانيا تسيء للرسول – صلى الله عليه وسلم- وأنه – أي السلطان- سيعلن الجهاد، فرضخت الحكومة للأمر و لم تعرض المسرحية.

إن ما تقدم إنما هو غيض من فيض وأمثلة قليلة على العزة والمنعة التي كان يعيشها المسلمون، وكيف كان خلفاء المسلمين يتصرفون بكل عزة وقوة وكيف كان أعداؤهم ينظرون إليهم ويخاطبونهم.

أما اليوم وبعد أن هدمت الخلافة وتفرق المسلمون شذر مذر فإننا إذا ما تلفتنا حولنا نجد أول ما نجد أن بلاد المسلمين التي كانت بلدا ً واحدا ً ذات كيان واحد يظلها خليفة واحد يرعاها بكتاب الله – سبحانه – وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم- نجد هذا الكيان الواحد أصبح أكثر من خمسين كيانا ً هزيلا ً يتبع الغرب الكافر، وقد أقام الكافر على هذه الكيانات عملاء مأجورين له سماهم حكاما ً وملوكا ً وأمراء ورؤساء جمهوريات يحرسون ما أقام الكافرون وينفذون ما يريد الكافر المستعمر من سياسات.

والأنكى من ذلك وأخطر أن دعاة الكفر خرجوا من جحورهم وصار لهم سوق بين المسلمين تحميهم قوى النظام الكافر الذي يجثم فوق صدور المسلمين، وصدق شوقي – رحمه الله تعالى- حينما قال ضمن قصيدته الغراء في رثاء الخلافة:

ولتسمعن بكل أرض داعيا ً يدعو إلى الكذاب، أو لسجاح ِ
ولتشــهدن بكل أرض فتنة ً فيها يبـاع الديــن بيـع سمـاح ِ

فهؤلاء حكام باكستان الخونة ينفذون أوامر أمريكا فيقتلون الآلاف من المسلمين في بلادهم ويشردون الملايين ثم يقفون ويطلبون أجرتهم من أوروبا وأمريكا على قتل المسلمين فيقف ما يسمى رئيس الوزراء، ويطالب أوروبا بإمداده بالمال والسلاح لإكمال مهمة قتل المسلمين، وقبل ذلك فإنهم مهدوا الطريق وساعدوا رأس الصليبية الحاقدة أمريكا على احتلال أفغانستان حيث قتلت عشرات الآلاف واعتقلت مئات الآلاف وعذبتهم ونكلت بهم.

وكذلك حكام الشمال الإفريقي وعلى رأسهم حكام مصر عملاء الأمريكان الذي يعملون سماسرة لليهود لتثبيتهم، ويقومون باعتقال كل من يدعو إلى الله – سبحانه- ويعمل على إعادة الحكم بما أنزل الله، ويعذبونهم عذابا ً شديدا ً حتى أن العشرات بل المئات ماتوا تحت التعذيب، كل هذا تعرض عنهم أمريكا الصليبية وتبقيهم على كراسي الحكم الهزيلة.

وكذلك حكام بلاد الشام جميعا ً، وحكام نجد والحجاز فإن السجون ملأى بالشباب المسلم، هذا عدا عما قتلوه بحجة محاربة الإرهاب.

أما الذل والضعف الذي يعيشه المسلمون في هذه الكيانات فحدث ولا حرج، فالأعداء الكفار يقيمون قواعدهم العسكرية في بلاد المسلمين فتنطلق منها جيوشهم وطائراتهم وصواريخهم لقتل المسلمين في كثير من بقاع العالم، والمسلمون لا يحركون ساكنا ً، وإن أرادوا فكل قوى الشر التي تخدم الأنظمة تقف في وجههم قتلا ً وسجنا ً وضربا ً وتعذيبا ً حتى يبقى الخنوع يسيطر على المسلمين فيقوم الكافر بنهب الثروات وتخريب البلاد، والأخطر في ذلك أن الأنظمة تناصب المسلمين العداء، وتعتبرهم أعداء لا رعايا حتى أضحى الأمر يذيب حشاشات القلوب ألما ً مما آل إليه أمر المسلمين بعد الخلافة وقديما ً قال الشاعر:

حتى المحاريب تبكي وهي جامدة حتى المنابر ترثي وهي عيدانُ
لمثل هذا يذوب القـــــلب من كمد ٍ إن كان في القلب إسلام وإيمانُ

هذا ما أردنا ذكره في ذكرى الخلافة التي هدمها الكافر على يد عميلهم المجرم مصطفى كمال تذكير المسلمين بالوضع الذي كانوا عليه من عزة ومنعة زمن الخلافة وما أفضى إليه حالهم من ذل وهوان بعد هدم الخلافة.

وفي الختام أسأل الله – تعالى- أن يوفق العاملين المخلصين لإعادة الخلافة التي بشر بها الرسول – صلى الله عليه وسلم-، وأن يهيء لهم على الحق أعونا ً وأنصارا ً إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أخوكم، أبو محمد الأمين