Take a fresh look at your lifestyle.

تلخيص كتاب سرعة البديهة ح7


حقيقة سرعة البديهة

حقيقة سرعة البديهة هي سرعة الإدراك للكلام أو للعمل، أو لأي شيء، وسرعة الحكم عليه بأنه كذا، فهذه السرعة بالإدراك وبالحكم هي سرعة البديهة. وقد يتبادر للذهن أن سرعة الإدراك هي سرعة الحكم، ولكن الواقع هو أن سرعة الإدراك تهيئ للحكم وليست هي الحكم. فإذا حصل الحكم حصل العمل، وحصل كل شيء، فالأصل والنتيجة هو الحكم وليس الإدراك. فحقيقة سرعة البديهة هي سرعة الإدراك وسرعة الحكم، بحيث تكون سرعة الإدراك مهيأة للحكم أو لسرعة الحكم، ولذلك لا بد أن تكون متقدمة عليه ولا تكون متأخرة عنه، ولا يستغني عنها الحكم. فإذا كان لا بد من الإدراك، فكذلك لا بد من الحكم، فإذا وجد الإدراك وجد الحكم حتماً، فالأصل هو الإدراك.


أثر سرعة البديهة في الأمة

الأمة عبارة عن مجموعة من الناس تجمعها عقيدة واحدة انبثق عنها نظامها. والشعب وإن كانت القومية أو القبلية تجمع أفراده، والكيان الذي لهم هو خير جامع، فإن سرعة البديهة وإن كانت توجد بين أفراده، ولكنها لا توجد للشعب ولا للكيان، لأنه لا مفهوم للشعب، إذ لا مفهوم للقومية ولا للقبلية حتى تكون لها أشياء تنبثق عنها؛ لأن الذي لا ينبثق عنه مفاهيم، تكون نظاماً للحياة، لا يمكنه أن يعطي جميع الناس بأسلوب واحد، لأنه يختلف فهمهم للشيء، ولذلك لا أثر لسرعة البديهة لدى الشعوب، ولا لدى الكيانات، لأنّه وإن كان لها نظام، ولكنه لا ينبثق عن المفهوم العام. ذلك أن الكلام أو العمل يتجه نحو مفهوم لرفع الضيم أو التخلص من الخطر، وهذا المفهوم هو الذي تحصل فيه سرعة الإدراك وسرعة الحكم، فالمفهوم هو الذي يحمل على الإدراك، وهو الذي يوجد له أثر، لهذا لا بد لتربية سرعة البديهة وإيجاد أثر لها، أن يكون ذلك في أمّة وفي أفراد من الأمة، أي لا بد أن يرجع إلى مفهوم منبثق عن عقيدة جازمة.

أما ما يشاهد مما يطلق عليه البعض سرعة البديهة، في كيانات مثل الأقاليم المنفصلة، فإنه سرعة ملاحظة، وليس سرعة بديهة؛ لأن سرعة البديهة هي سرعة الإدراك وسرعة الحكم على شيء مرتبط بمفهوم منبثق عن عقيدة جازمة.

والغرب حين أدرك أن الأمة الإسلامية تجمعها عقيدة، فإنه حاول فصل المفاهيم عن العقيدة، ومع الزمن فصل بعض المفاهيم، فصارت سرعة البديهة غير معني بها. فحتى نعيد للنفوس سرعة البديهة، لا بد من إحياء المفاهيم ووصلها بالعقيدة، أي لا بد من ربط العقيدة بمفاهيم الحياة، وحينئذ توجد سرعة البديهة عند النّاس.

فسرعة البديهة، وهي سرعة الإدراك وسرعة الحكم، يكون أثرها في الأمة بمقدار فهم الأمة للمفهوم، وفهم الأمة للمفهوم وتركيزه في نفسها يكون بربطه بالعقيدة. لذلك فإن هذه الأشياء فيها سرعة الإدراك، وسرعة الملاحظة، أي فيها سرعة البديهة، وهي إذا لم تربط في الأساس الذي تقوم عليه الحياة، أي إذا لم تربط بالعقيدة، كان فيها سرعة الملاحظة فقط، فحتى توجد فيها سرعة البديهة لا بد أن تربط بأساس الحياة.

إنّ تأثير سرعة البديهة إنما يكون في الأمة التي تجمعها عقيدة واحدة، ولا يكون بالشعب، وفي الشعب، لأنه يكون سرعة ملاحظة فقط لا سرعة بديهة، وعلى هذا فإن تأثير سرعة البديهة إنما يكون في الأمة لا في الشعب، وإذا كان في الشعب، أي لم يربط بالعقيدة التي تجمع الناس، فإنه يكون سرعة ملاحظة فقط ولا يكون سرعة البديهة، وعلى ذلك فإنه إذا أريد التأثير في إيجاد سرعة البديهة لدى الناس، فيجب أن يكون ذلك في الأمة لا في الشعب، ولا يكون له أي تأثير إذا لم يكن هناك جامع. وهذا هام جدا من ناحيتين: الناحية الأولى، هي كونه يلزم عند العمل لإيجاد سرعة البديهة، والناحية الثانية: ناحية التأثير في الناس، ذلك أن التأثير إنما يكون بإدراك شيء قد أملاه الجامع في الأمة، أو انبثق عنه، أي أملته العقيدة التي تجمع الناس.

لكل هذا كان الإدراك سرعة ملاحظة لا سرعة بديهة، لأنه لم يربط بالعقيدة وما ينبثق عنها لتعرف قصده، وإنما نجم عن معرفتك قصده من واقع الحال، لذلك كان سرعة ملاحظة لا سرعة بديهة. هذا علاوة على أن معرفة القصد من غير العقيدة وما ينجم عنها أو ينبثق عنها هو معرفة ناقصة؛ لأنها خالية من الربط بما يجمع بينك وبينه من عقيدة.

والحاصل أن تأثير سرعة البديهة في الناس تأتي من سرعة إدراكهم للواقع مع ربطه بالعقيدة، وما ينبثق عنها، فإدراكهم للواقع وحده يعطي سرعة الملاحظة، ولكن ربطه بالعقيدة هو الذي يعطي سرعة البديهة.