إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 57)
حكم إجارة غير المسلم
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّابِعَةِ وَالخَمسِينَ, وَعُنوَانُهَا: “حُكْمُ إِجَارَةِ غَيرِ المُسْلِمِ”. نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي الإِسلامِ (صَفحَة 95) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
“أمَّا الأجِيرُ وَالمُستَأجِرُ فَلا يُشتَرَطُ فِيهِمَا أنْ يَكُونَا مُسلِمَينِ، أو أنْ يَكُونَ أحَدُهُمَا مُسلِمًا. فَيَجُوزُ لِلمُسلِمِ أنْ يَستَأجِرَ غَيرَ المُسلِمِ مُطلَقًا، لِعَمَلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَلإجمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى استِئجَارِ غَيرِ المُسلِمِينَ فِي أيِّ عَمَلٍ مُبَاحٍ، وَفِي أعْمَالِ الدَّولَةِ الَّتِي يُستَأجَرُ عَلَيهَا لِلقِيَامِ بِهَا. فَقَدِ استَأجَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيًا كَاتِبًا، وَاستَأجَرَ يَهُودِيًّا آخَرَ مُتَرجِمًا، وَأورَدَ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ استَأجَرَ مُشرِكًا لِيَدُلَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ، وَاستَأجَرُ أبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ نَصَارَى لِحِسَابِ المَالِ.
وَكَمَا يَجُوزُ لِلْمُسلِمِ أنْ يَستَأجِرَ غَيرَ المُسلِمِ، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أنْ يُؤَجِّرَ المُسلِمَ نَفْسَهُ لِغَيرِ المُسلِمِ، لِلقِيَامِ بَعَمَلٍ غَيرِ مُحَرَّمٍ. أمَّا العَمَلُ المُحَرَّمُ فَلا يَجُوزُ، سَوَاءٌ أكَانَ المُستَأجِرُ مُسْلِماً أمْ غَيرَ مُسلِمٍ. وَعَلَيهِ يَجُوزُ أنْ يُؤَجِّرَ المُسلِمُ نَفسَهُ لِنَصرَانِيٍّ يَعْمَلُ لَهُ. وَلَيسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ حَبْسِ المُسلِمِ عِندَ الكَافِرِ لإِذلالِهِ، بَلْ هُوَ إِجَارَةُ نَفسِهِ لِغَيرِهِ وَهِيَ جَائِزَةٌ، وَلا يُشتَرَطُ فِيهَا إِسلامُ المُستَأجِرِ، وَلا إِسلامُ الأجِيرِ. فَقَدْ رَوَى التِّرمِذِيُّ أنَّ عَليًّا رَضِيَ اللهُ عَنهُ أجَّرَ نَفْسَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ، يَسقِي لَهُ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، وَأخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَلَمْ يُنكِرْهُ، وَلأنَّهُ عَقْدُ مَعَاوَضَةٍ لا يَتَضَمَّنُ إِذلالَ المُسلِمِ.
أمَّا الأعْمَالُ الَّتِي فِيهَا قُرْبٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى، فَيُشتَرَطُ أنْ يَكُونَ الأجِيرُ فِيهَا مُسلِمًا. وَذَلِكَ كَالإِمَامَةِ، وَالأذَانِ، وَالحَجِّ، وَأدَاءِ الزَّكَاةِ، وَتَعلِيمِ القُرآنِ وَالحَدِيثِ، لأنَّهَا لا تَصِحُّ إِلاَّ مِنَ المُسلِمِ فَلا يُؤَجَّرُ لِلقِيَامِ بِهَا إِلاَّ مُسلِمٌ. فَالعِلَّةُ فِيهَا كَونُهَا لا تَصِحُّ إِلاَّ مِنَ المُسلِمِ. أمَّا إِنْ كَانَتِ الأعْمَالُ، الَّتِي يُتَقَرَّبُ فِيهَا إِلَى اللهِ، يَصِحُّ أدَاؤُهَا مِنْ غَيرِ المُسلِمِ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ استِئْجَارُهُ لِلقِيَامِ بِهَا. وَالحَاصِلُإِنَّ الأعْمَالَ الَّتِي تُعتَبَرُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ فِيهَا إِلَى اللهِ عِندَ المُستَأجِرِ، وَلا تُعتَبَرُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ فِيهَا إِلَى اللهِ عِندَ الأجِيرِ، فَإِنَّهُ يُنظَرُ، فَإِنْ كَانَتْ لا تَصِحُّ إِلاَّ مِنَ المُسلِمِ، كَالقَضَاءِ، فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يُستَأجَرَ فِيهَا غَيرُ المُسلِمِ. وَإِنْ كَانَتْ تَصِحُّ مِنْ غَيرِ المُسلِمِ، كَالقِتَالِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ استِئْجَارُ غُيرِ المُسلِمِ لِلقِيَامِ بِهَا. فَالذِّمِّيًّ يَجُوزُ أنْ يُستَأجَرَ لِلقِتَالِ وَتُدْفَعُ لَهُ الأُجرَةُ مِنْ بَيتِ المَالِ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
1. الأجِيرُ وَالمُستَأجِرُ لا يُشتَرَطُ فِيهِمَا أنْ يَكُونَا مُسلِمَينِ، أو أنْ يَكُونَ أحَدُهُمَا مُسلِمًا.
2. يَجُوزُ لِلمُسلِمِ أنْ يَستَأجِرَ غَيرَ المُسلِمِ مُطلَقًا, وَيَجُوزُ لِلمُسلِمِ أنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِغَيرِ المُسلِمِ:
أ- لِعَمَلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ:
– استَأجَرَ رَسُولُ اللهِ يَهُودِيًا كَاتِبًا، وَيَهُودِيًّا آخَرَ مُتَرجِمًا.
– وَاستَأجَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُشرِكًا لِيَدُلَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ.
ب- لإجمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى استِئجَارِ غَيرِ المُسلِمِينَ فِي أيِّ عَمَلٍ مُبَاحٍ، وَفِي أعْمَالِ الدَّولَةِ.
– استَأجَرُ أبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ نَصَارَى لِحِسَابِ المَالِ.
– رَوَى التِّرمِذِيُّ أنَّ عَليًّا رَضِيَ اللهُ عَنهُ أجَّرَ نَفْسَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ، يَسقِي لَهُ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ.
3. العَمَلُ المُحَرَّمُ لا يَجُوزُ استِئجَارُ أحَدٍ لِلقِيَامِ بِهِ، سَوَاءٌ أكَانَ المُستَأجِرُ مُسْلِماً أمْ غَيرَ مُسلِمٍ.
4. لا يُشتَرَطُ فِي الإِجَارَةِ إِسلامُ المُستَأجِرِ، وَلا إِسلامُ الأجِيرِ.
5. الأعْمَالُ الَّتِي فِيهَا قُرْبٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى:
-الأعْمَالُ الَّتِي لا تَصِحَّ إِلاَّ مِنَ المُسلِمِ وَيُشتَرَطُ الإِسلامُ فِي أدَائِهَا لا يُؤَجَّرُ لِلقِيَامِ بِهَا إِلاَّ مُسلِمٌ.
– الأعْمَالُ الَّتِي فِيهَا قُرْبٌ إِلَى اللهِ كَالإِمَامَةِ وَالأذَانِ وَالحَجِّ وَأدَاءِ الزَّكَاةِ وَتَعلِيمِ القُرآنِ وَالحَدِيثِ.
6. الأعْمَالُ الَّتِي يُتَقَرَّبُ فِيهَا إِلَى اللهِ وَيَصِحُّ أدَاؤُهَا مِنْ غَيرِ المُسلِمِ يَصِحُّ استِئْجَارُهُ لِلقِيَامِ بِهَا.
7. الأعْمَالُ الَّتِي تُعتَبَرُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ فِيهَا إِلَى اللهِ عِندَ المُستَأجِرِ، وَلا تُعتَبَرُ كَذَلِكَ عِندَ الأجِيرِ يُنظَرُ:
– إِنْ كَانَتْ لا تَصِحُّ إِلاَّ مِنَ المُسلِمِ، كَالقَضَاءِ، فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يُستَأجَرَ فِيهَا غَيرُ المُسلِمِ.
– إِنْ كَانَتْ تَصِحُّ مِنْ غَيرِ المُسلِمِ، كَالقِتَالِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ استِئْجَارُ غُيرِ المُسلِمِ لِلقِيَامِ بِهَا.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الراشدة الثانية على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.