الغضب الساطع بعد طول غياب آت
أين أنتم من غضب الأمة؟ أين أنتم من صرخة المظلومين؟ أين أنتم من استنجاد الثكالى؟ أين أنتم من أصوات المعذَبين في مشارق الأرض ومغاربها؟ هذه أسئلة سوف تسألكم إياها الأمة يا حكام الضرار، يا من تآمرتم عليها، يا من ابتليت الأمة بكم.
يا من نسيتم غضب أمتكم دعونا نذكركم أن غضبها كان مجلجلًا عندما صاحت امرأة في أقصى البلاد أين أنت يا ولي أمورنا؟ فحرك قائد مغوار جيشًا آخره في بغداد وأوله في عمورية (أنقرة)، بعد أن كتب وصيته وجهّز كفنه، إنه نعم القائد، إنه الخليفة المسلم المعتصم بالله، الذي أمر جيشه بالتحرك الفوري والسريع من أجل امرأة حاول كافر أن يدوس على طرفها، فدكّ حصون الكفار ولقنهم درسًا لم ينسوه أبدًا. كان هذا لأجل امرأة شريفة أسمعت صوتها لحاكم مسلم يعرف معنى أن يكون مسئولًا أمام الخالق الباري عن الناس. فهل نسيتم هذه الحادثة أم تناسيتموها يا من سُميتم زورًا “حكامًا”؟
وحادثة أخرى يذكرها التاريخ في صفحاته الذهبية، وما زالت تُدرّس حتى الآن في مناهج الكفار المستعمرين، هي أن القائد الجندي المخلص لدينه وأمته (صلاح الدين الأيوبي) لم يسكن ولم يركن ولم يستسلم لحال الأمة في وقتها، فعرف الداء والدواء، فعرف الداء الذي هو تشتت الأمة وتفرقها، وعرف الدواء فعمل ليلًا نهارًا من أجل توحيد الأمة وجعلها على قلب رجل واحد وغاية واحدة وجيش واحد، تنفيذًا لأمر الله. فأعد صلاح الدين العدة وأحصى الجيش وسيّره لتحرير مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولى القبلتين وثالث الحرمين من دنس الصليبيين، وعندما رأى الكافر الجيشَ وقائده سقط رعبًا تحت حوافر الخيول، فدانت الأرض لصلاح الدين ورضي عنه خالقها، وتحررت القدس وصارت شوكة في حلوق الكفار، أبقتهم سنين طوالاً صرعى يتفكرون كيف آل الأمر للإسلام والمسلمين، وكيف حرر القائد البلاد وأعاد بيت المقدس لها.
ونذكّركم يا حكام اليوم بحادثة أخرى، كيف حطم مملوك من المماليك أقوى الجيوش وأعاد للأمة كرامتها، ألا وهو المظفر قطز مع قائد جيشه بيبرس، الذي جمع الجيوش ووحد الجنود والبلاد ودعا إلى الاستنفار التام في شرق الأرض وغربها للوقوف أمام أقوى الجيوش وأكبرها على مدار التاريخ، من أجل تلقين المغول درسًا قاسيًا أن لهذه الأمة رجالًا، ولهذا الدين جنودًا، يتفانون في الدفاع عن شرفهم وعرضهم وكرامتهم، فوقف خطيبًا في جنوده أن هلموا يا خير أجناد الأرض، جنود محمد عليه الصلاة والسلام؛ لنصرة الدين وهزيمة العدو الكافر الهمجي، فعلم الكافر أن لهذه الأمة رجالاً وحكاماً مخلصين.
وأخيرًا، وفقط للتأكيد، نذكّر كيف دكّ السلطان محمد الفاتح بجيشه الانكشاري حصون القسطنطينية وهدم أحلام الكفار وافتراءاتهم وعنجهيتهم، ففتحها وحقق بذلك بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكبّر العباد، ودخلت الفرحة قلوب المسلمين.
فهل نسيتم يا حكام الضرار هذا التاريخ، أم أنكم لستم منا ولا نحن منكم حتى تتذكروا، أم أن أسيادكم هم من نسوه؟ وكيف تسمحون لسيدكم في البيت الأبيض بأن يقول قم يا صلاح الدين فنحن قد عدنا بعد سنين؟ وما قالها إلا لأنه يعلم عمن ومع من يتكلم.
بعد هذا التذكير، هل تظنون أن على أعين الأمة غشاوة، وأنها لا تعي من أنتم، ولأجل من تعملون، ولمن تخلصون؟ لا، وألف لا، إن الأمة تعلم علم اليقين نفاقكم وكذبكم، وتعلم أن أمركم لا يخرج عن طاعة أسيادكم، فأنتم أداة بيدهم، عباد لهم، مخلصون ووفيّون لهم، لا يهمكم سوى إرضائهم. لكن هيهات أن يصبح العبد سيدًا في ظل الفساد والكفر الذي تحيطون أنفسكم به.
إن ما تفعلون وفعلتم في حق هذه الأمة، من تسخير مدخراتها وأبنائها لخدمة الكافر المستعمر، للحفاظ على ما يظن أنه له وملكه، ما تفعلونه لا يخرج عن كونه مسرحيةً هزليةً لا يشارك فيها سوى ممثل فاشل ومخرج حاقد.
إنّ أمثال هؤلاء الحكام، ومن سار على شاكلتهم، ودعا لهم على المنابر، شركاء من الدرجة الأولى في التآمر على الأمة. والساكت على الكفار وأعوانهم، والذي يتركهم يعتاشون على دماء المسلمين وهو قادر على منعهم، هو مقصر سوف يحاسب عند الله على تقصيره وعدم نصرته لأمته. إنّ الأمة الإسلامية بمن فيها من شباب وشيب لتستنظر الرجال لنصرتها، وترجيح الكفة لأصحاب الحق، وإنّ الشدائد والمحن التي تمر فيها الأمة الآن ما هي إلا المخاض العسير لولادة المارد الذي سيشرع سيفه في وجه العدو، والقائد الذي سينصر المعذَبين في الأرض، ويحرر المقدسات، ويلجم الأصوات الخبيثة الحاقدة على الإسلام وأهله، وينادي بحي على الجهاد، حي على القصاص من هؤلاء الحكام وأعوانهم، الذين فرّطوا في أموال الأمة، وألقوا الحمم فوق رؤوسها، وتآمروا على الإسلام وأهله، وحركوا الجنود لخدمة الكافر، إنه الخليفة الذي سوف تحتمي الأمة به وتقاتل من ورائه، إنه البطل الشجاع، ناصر المظلومين، ومحرر الخائفين، ومعيد الحقوق إلى أهلها، ورافع الراية فوق الرؤوس.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. ماهر صالح – أمريكا