Take a fresh look at your lifestyle.

“إن لم أكن أنا ستكون هناك امرأة غيري”

 

منذ فجر التاريخ تربعت عدد من النساء على عرش الحكم إما وراثةً وإما تسلطًا أو عصيانًا بصراع دموي سبق اعتلاءهن للعرش. لينتهي بهن الأمر في بعض الأحيان إلى أن يكن قاتلات أو مقتولات أو الاثنين معًا. وقد اختلفت الآراء والتوصيفات لهذه الحقبة من التاريخ؛ فهناك من قال أن هذه ظواهر طبيعية بارزة ولافتة للنظر، بينما قال آخرون أنه وضع غير طبيعي في زمن كان يصعب على أي شخص الجلوس على عرش السلطة وخاصة في العصور التي تحكمت فيها الأعراف البدائية والتي انتهكت حقوق المرأة، وعلى الرغم من ذلك فقد تهيأت الظروف لبعض النساء ليحكمن بلادهن. في حين نظر غيرهم إلى أنهن من الأساطير التي توارثها البشر من ذلك الزمان من مختلف الجهات والشعوب من الشرق ومن الغرب.

لم يكن هناك دور واضح وبارز للملكات اللاتي حكمن في تلك العصور، فالآثار المكتشفة لم توضح هذا الجانب من شخصياتهن، بل دلَّت فقط على أهميتهن ومقدار ما تمتعن به من ثروة ونفوذ من خلال مقابرهن. فتاريخ حكمهن لم يصلنا منه إلا القليل النادر وقد مُزجت بالأساطير والأحاديث الخرافية لإبراز عامل الانبهار في قصص حياتهن ليكن محط أنظار لغيرهن وصورةً مشعةً للاقتداء بهن ومثالاً يحتذى بتجاربهن. وبالرغم من كل هذه المحاولات فالاختلاف ظاهر بين رغبة المرأة قديمًا ورغبتها اليوم في الوصول إلى الحكم.

إذ كانت قديمًا تسعى إلى إثبات نفسها في مراكز الرجال وخاصةً الوصول إلى عروش الحكم ليتاح لها الحصول على نشوة الشهرة والجاه والوصول إلى السلطة.

 

أما في زمننا الحالي فوصولها إلى الحكم يعتبر بمثابة طوق النجاة للتخلص من المشاكل التي تعاني منها، وما وصولها إلى سدة الحكم إلاّ لحاجة ملحة عند البعض وخاصةً هؤلاء دعاة المساواة بين الجنسين وذلك لتحقيق التوازن المنشود وتحرير المرأة من هذه المجتمعات الذكورية على حسب زعمهم.

ومن هنا صرحت المرشحة للانتخابات الرئاسية في السودان فاطمة عبد المحمود: “أنه سيأتي قريبًا الوقت الذي تحكم فيه المرأة السودانية البلاد فإذا لم أكن أنا ستكون امرأة غيري”، “وما ترشحها إلاّ رسالة تسعى إلى تحقيقها لدعم الدور النسائي في المشهد السياسي بالبلاد”.

إن هذه الدعوات ومثيلاتها تجعل النظر إلى جميع مشاكل المجتمع من زاوية النوع الاجتماعي، فيصورون أن حكم الرجل يستفيد منه الرجال فقط وتعم الذكورية في المجتمع وفي كل مناحي الحياة، وبالمقابل فإنه بحكم النساء سيعم الرخاء والهناء على المرأة وسيسهل تحصيل حقوقها المسلوبة.

لقد استغل دعاة المساواة الأوضاع المأساوية التي تعيشها المرأة فدعوها إلى توظيف قدراتها حتى تثبت ذاتها وتقارع الرجل في كل أعماله لتؤمّن احتياجاتها المهمشة؛ فأوهموها بأن لديها الحلول السحرية التي تشمل كل علاج ودواء لمشاكلها، وهذه الحلول تكمن في عملها الحثيث لوصولها إلى سدة الحكم. فخلطوا، هؤلاء الدعاة والمضبوعون بهم، بين القضايا السياسية الآنية والملحة وبين مناصرة المرأة المظلومة، وفي هذا الخلط استخفاف كبير بقضية الحكم، أي بقضية رعاية شؤون الناس جميعًا على حد سواء دون تمييز بين الجنسين، فالحكم هو رعاية شؤون الإنسان وتأمين احتياجاته بعيدًا عن نوعه الجنسي أو الفكري أو أي شيء آخر. فالسؤال هنا: هل كانت مشاكل المرأة ومآسيها بمعزل عن المجتمع الذي تعيش فيه؟! وما هو الوضع الذي يعيشه الرجل اليوم حتى تنافسه المرأة فيه؟؟ وهل الرجل في ظل هذه الأنظمة الاستعمارية يعيش الرعاية والكفاية حتى تقارعه المرأة عليها!!.

وللإجابة على هذه الأسئلة والاستفسارات يكفي أن نلقي نظرةً بسيطةً على أوضاع المجتمعات في العالم الإسلامي لنرى أن الفساد والفشل في الرعاية الحقة يطال كل أفراد المجتمع لوجود المعضلات الجمة في الحكم من كل جوانبه، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا الخ..

فالمسألة ليست فئات ومنتخباً من النساء وآخر من الرجال وواحداً من الشرق والثاني من الغرب، بل بماذا سيحكم وأي نظام سيطبق؟ وليس الهدف هو تحقيق الاتفاقيات والقوانين النسوية مثل الكوتا للوصول إلى الهدف المنشود ألا وهو العدل بل بتحقيق نظام أساسه العدل.

لقد تمركزت النسوية على فكرة الكوتا وتمثيل المرأة للمرأة وكأن المرأة أفادت بنات جنسها بشيء بعد أن وصلت لمقاليد الحكم!!. فالواقع يشير إلى عكس ذلك؛ فقد كانت سنوات حكم النساء من أكثر الفترات دمويةً وتقلقلًا، وما نماذج فساد عهد بنازير بوتو وقمع الشيخة حسينة لأهل بنغلادش إلا أمثلة على ذلك.

لمحة بسيطة وموجزة عن حياتهما السياسية: 1- تولت بنازير بوتو منصب رئاسة وزراء باكستان مرتين، ما بين عامي 1988 و1990، وما بين عامي 1993 و 1996، وفي الحالتين أقالها رئيس البلاد من منصبها بعد اتهامها بالفساد وسوء استخدام السلطة، وقد واجهت حكومة بنازير العديد من المشاكل أهمها المشكلات الاقتصادية التي لم تستطع التعامل معها بفاعلية بالإضافة إلى دخول البلاد في فوضى سياسية لا مثيل لها، وقد واجهت خمس اتهامات على الأقل بالفساد، لم تدن في أي منها.

2- أطلق البعض على الشيخة حسينة حاكمة بنغلادش لقب «السيدة الحديدية»، وبرز طابع «الانتقام» فى تصفية حساباتها مع من تعتقد أنهم قتلة أبيها بعد انقلاب عسكري دموي، وما شعار التغيير الذي رفعته الشيخة حسينة إلا محض كذب، فقد ضحت بدماء وثروات المسلمين في سبيل إبقاء صداقتها مع أعداء الإسلام من الهنود الهندوس وأسيادها الأمريكان ليحفظوا لها عرشها، حتى لو كان ثمن ذلك دماء المسلمين وأعراضهم! فبحسب وثيقة صادرة عن جمعية حقوق الإنسان فإنّ 843 مسلمًا قد قُتلوا و846 جرحوا و895 من النساء اغتصبن من قبل قوات حرس الحدود الهندية في الفترة الممتدة بين الأول من كانون الثاني 2000 لغاية الثامن والعشرين من شباط 2010.

ناهيك عن قضايا الفساد التي تلاحق الساعيات للحكم حتى قبل أن يصلن لتوليه. ومن هذه القضايا تلك التي تلاحق ابنة الطاغية كريموف رئيس أوزبكستان.

إن القصد هنا ليس تشويه صورة نموذج بحد ذاته ولكن لتفنيد المزاعم التي تقول أن المرأة كائن طاهر يجلب للحكم النقاء والشفافية والعدل المفقودين في حكومات أفريقيا وغيرها، ولنوجه لهن ولغيرهن سؤالنا التالي: ماذا قدمت هؤلاء النسوة للمجتمع بشكل عام وللمرأة بشكل خاص بوصولهن إلى الحكم؟؟!.

أما بالنسبة لنا بصفتنا مسلمين فالمسألة محسومة شرعًا «لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» رواه البخاري.

ومن هنا يتبين أنه يحرم على المرأة أن تباشر شؤون الحكم وأنه لم يرد مثل ذلك في تاريخ المسلمين، إلا في هذا الزمان الذي ابتلينا فيه بتقليد شرائع الكفر والقوانين الوضعية.

لهذا فحلم السيدة فاطمة لا يراود مسلمات السودان اللواتي يدرن حيثما دار الشرع. ولكن يبقى أن يعلمن أنه من واجبهن الشرعي وحقهن محاسبة الحاكم إذا قصَّر في تلبية احتياجاتهن وإزالة الظلم الواقع عليهن، وما وضع السودان المزري بخافٍ عنا، فلا مقومات للحياة الهانئة ولا رعاية صحية وتعليمية تخفف أعباء الحياة عليهن، فالنساء المسلمات في السودان يجب أن يسعين ليس لتولي الحكم بل لإيجاد من يحكمهن حسب شرعهن ودينهن الإسلامي، وأن لا يسعين للمشاركة السياسية وفق هذا النظام العفن الفاسد الذي ما أنجب إلا الدمار والاقتتال بين أهل البلد الواحد تنفيذًا لأجندات استعمارية خارجية.

ونحن نوجه لأخواتنا المسلمات في السودان رسالة مفادها: أن لا تنشغلن بهموم الصحة والتعليم وهموم المعيشة عن محاسبة من هو المسؤول عن سوء رعايتكن، وأن تبادرن بالعمل مع المخلصين لتغيير هذا النظام الفاسد فهو سبب عيشكن بضنك وليس لأن الرجل هو من يتولى حكم البلاد كما يصورونه لكنّ.

ندعوكن إلى العمل مع نساء شقائق الرجال اللاتي يعملن لاستئناف الحياة الإسلامية مع حزب التحرير للنهوض بالمسلمين حتى يظهر الله أمره ويعز دينه. اللهم ثبت قلوبنا على دينك وأعنا على حمل دعوتك كما حملها من سبقنا من الصالحين واجعلنا من العاملات المخلصات لإقامة الخلافة الراشدة على من منهاج النبوة..

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رنا مصطفى (أم عبد الله)


 

2015_04_12_Art_If_its_not_me_would_be_another_woman_AR_OK.pdf