Take a fresh look at your lifestyle.

مناهضة كراهية المرأة أم نشر لفلسفة الكراهية

 

انتهت منى الطحاوي لتوها من كتابها الأول: “الحجاب وأغشية البكارة: لماذا يحتاج الشرق الأوسط لثورة جنسية” والذي سيظهر في المكتبات البريطانية في أيار/مايو المقبل. وهو امتداد لمقالها “لماذا يكرهوننا” والذي أثار جدلًا عام 2012 لتناوله كراهية النساء في العالم العربي.

منى الطحاوي هي صحفية وناشطة في مجال حقوق المرأة، مصرية مقيمة بنيويورك وقد حصلت على الجنسية الأمريكية عام 2011.. تكتب مقالات رأي في صحف من بينها نيويورك تايمز وواشنطن بوست.. وتحب منى الطحاوي أن تقدم نفسها أنها “مسلمة مصرية ليبيرالية علمانية”.

لقد أصبح الانتقاد الصارخ للإسلام وإثارة حفيظة المسلمين بشكل استفزازي هو الباب الواسع الذي يُولَج منه لعوالم الشهرة.. فصارت مهاجمة الإسلام بشكل متطرّف تجارةً لبعض المثقفين حتى يسطع نجمهم ويبرزوا إعلاميًا وسياسيًا وتحتفي بهم المحطات التلفزية وتشتغل عليهم الآلة الإعلامية.. لأنهم أحدثوا ما يُسمّى بعملية الصدمة للفت انتباه من حولهم وتسليط الضوء عليهم باسم حرية التعبير والحريات الفردية وحق التمرّد ضد الدين..

وتأتي النسوية في هذا الباب مُدّعية أن لديها شرعيةً مضاعفةً، الأولى ضدّ ما تسميه بالمجتمع الرجالي والثانية ضد الدين وأحكامه، فحتى تكتمل صورة المرأة الحرة بالمعنى المطلق للكلمة يجب عليها أن تهاجم الإسلام وتنتقده لأنها تعتبره هو من خلق سلطة الرجل عليها.. فحتى تتحرّر من الرجل، عليها أن تتحرّر من الدين ابتداءً.

ولهذا يُبرز الفكر النسوي المرأة كمجني عليها مقهورةً مهضومة الحقوق مكروهةً.. هذه الكراهية التي تناهضها “الطحاوي” في كتاباتها تربطها بالرجل الشرقي العربي لتنتقل من بعد ذلك إلى الرجل المسلم وهذا يُبدي خطابًا ضمنيًّا بأن الإسلام هو المُذنب في رأيها وهو وراء مشاكل المرأة ومعاناتها.. فالحجاب والنقاب وتعدد الزوجات وقوامة الرجل وكل هذه القوانين الاجتماعية التي سنّها الشرع تعتبرها “الطحاوي” كُرهًا للمرأة وإلجامًا لغرائزها وكبتًا لميولاتها..

نسويات يُروّجن لأجندة اليمين المتطرّف تحت عنوان قضية المرأة والدفاع عن حقوقها ونبذ كل فكر يَحُدّ من حرياتها حتى لو كان هذا الفكر منبثقًا من الوحي.. هذه هي الليبرالية الدوغمائية التي لا تقبل أي فكر يضادّها باسم حماية الحريات وهذا هو الفكر العلماني المتعسّف الذي لا يقبل النقاش والمناقضة بل يعتبر ما يتبنّاه حقيقةً كونيّةً ثابتة..

وسؤال أطرحه في هذا المقام: من تجرّأ من العلمانيين والليبراليين وقدّم فكره للنقاش والنقض؟؟ مَن منهم طرح عقيدته للناس واضحةً ووَضعها موضع الأخذ والردّ والبحث العقلي الحسّي؟؟ هم لا يعرفون إلا سياسة الهجوم والقدح ولا يُعرّفون أنفسهم إلاّ بمخالفة غيرهم حتى لا يقعوا فريسةً لفكرهم المرتجف الضعيف ومن ثم يدّعون أنهم أهل العقلانية والتنوير..

جمود فكري تعاني منه النسوية لتكرّر في كل مرة نفس الادعاءات مع نفس الأساليب.. دوران في حلقة مفرغة ورجوع إلى الصفر يجعل التنافس بين النسويات يحوم حول الأكثر جرأة وتطاولًا على الإسلام حتى تخطف الأضواء وتحدث الضجّة من حولها وتصنع لنفسها اسمًا.. فالطحاوي ومن قبلها الصومالية المرتدة “أيان حرسي” أو “نوال السعداوي” أو نسويات تونس ولبنان وغيرهن يجدن في انتقاد الإسلام والمسلمين عرضًا مغريًا للشهرة.. فهل لهذه النسوة بدائل فكريّة مقنعة وبراهين عقلية ثابتة أم أنها مجرد هرطقات مستهلكة ورخيصة؟؟

هاته النسويات يكرهن الرجل ويرفضن هيمنته عليهن وفي المقابل يقضين العمر وهنّ يتحدّثن عنه ويشجبن ويستنكرن ثم يدّعين العقلانية والفهم.. ربما لو تركت النسوية كرهها للرجل لتعلمت كيف تَرضى بكونها لم تُخلق رجلًا ولبدأت حياتها بعيًدا عن عقدة الذكورة والأنوثة وأن الرجل والمجتمع والدين يكرهونها ويستضعفونها.. هذه الكراهية التي أعمت البصر والبصيرة وجعلت النسوية لا تفكر إلا في حماية أنوثتها ولا تحارب إلّا من يهدد هذه الأنوثة برأيها.. فنأت بالمرأة بوصفها إنسانًا سويًّا فيه قابلية الخير والشر يقول تعالى “وهديناه النجدين” أي جعلنا له سبيل الكفر والإيمان والطاعة والمعصية.. لكن النسوية جعلت من هذه الأنثى ملاكًا مُضطهدًا.. وتناست نماذج الزوجة الجشعة المتسلطة والأم التي تنكرت لفطرتها وقست على أولادها من أجل شهواتها. بغض الطرف عن دور النساء في شبكات الاتجار بالبشر وشبكات التسول المنتشرة في عواصم الشرق والغرب. عصابات تشارك فيها المرأة تخطف الأطفال وتجند الرضع والصغار وتسرح الصبية في الشوارع من أجل استعطاف المارة. يستغلون الأطفال بشتى الأساليب يتركونهم دون رعاية في ثياب رثة ليلًا نهارًا. سردت النسوية النظرة المثالية للمرأة ومحت من ذاكرتها نماذج النساء المجرمات وكأن الجريمة فعل ذكوري صرف والمرأة كيان لا يقوى على الكراهية والنظرة العدائية. ومن ذلك ارتكاب القابلة والسفاحة البريطانية أمليا داير التي كانت تقتل الأطفال الرضع الذي أتوا بطريقة غير شرعية بناء على تنسيق مع الأم. تم القبض عليها وتم إعدامها في 1896 بعد أن تخطى عدد ضحاياها 400 طفل.

ثم إن منطق الكراهية الذي تناهضه النسوية هو انعكاس لظلّها وفكرها الذي تحمله.. فهي تهاجم الرجل وتمقته وتهاجم المرأة المسلمة وتستنكر عليها غطاء الرأس أو غطاء الوجه أو التزاماتها الشرعية وتعتبرها متخلفة ورجعية بل وتدعم هذه الكراهية وتؤيدها.. حتى إن الطحاوي كتبت في إحدى مقالاتها بعد أن نزعت الخمار الذي لبسته لتسعة أعوام “أنا مسلمة ونصيرة للحركة النسائية وأكره الحجاب الذي يغطّي الجسم بكامله. فهو يمحو النساء من المجتمع، ولا علاقة له بالإسلام، بل هو متجذّر في الكره للنساء الذي يقع في قلب الإيديولوجيا المتطرّفة التي تنادي به.

على الرغم من أنني غالبًا ما أجد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بغيضًا، إلا أنه كان محقًا عندما قال “ليس الحجاب الكامل رمزًا دينيًا، بل هو رمز خضوع المرأة وإذعانها. أود أن أقول بكل وقار أنه لن يكون مرحّبًا به في أرضنا”. أضيف أنه يجب ألا يكون مرحبًا به في أي مكان. نعم أنا أؤيد حظر الحجاب الكامل”.
ألا يُعتبر ما قالته نشرًا لفلسفة الكراهية التي تدّعي مناهضتها؟؟ ألا يُعتَبر هجومها على الحجاب والمرأة المسلمة الملتزمة في كتابها الذي تُروّج له إقصاءً وكراهيةً؟

هي تروّج لكراهية الرجل الشرقي للمرأة وتتناسى أنها أقسى على بنات جنسها من الرجل.. فأن تبرز امرأة شرقية تعلن انتماءها للإسلام وتزدري امرأةً مسلمةً مثلها وتنتقد أحكامًا شرعيةً هو نشر لمنطق الكراهية الذي تدعيه. فلماذا هذا التناقض الفكري والنفسي؟؟ وهل يُسمّى هذا مناهضة لكراهية المرأة أم نشرًا لفلسفة الكراهية ضدها؟؟

إن النسوية في بلاد المسلمين تتوجه إلى المجتمع الغربي لتفجّر عقدها مع الإسلام وتزدري المرأة المسلمة في الصحف ومحطات الإعلام الغربي وهذه أجندة سياسية بامتياز إذ يكون المقصود فيها المستهلك الغربي.. وما يعكس نسب العنف المتزايدة على المرأة المسلمة في المجتمعات الغربية من مضايقات وتهديدات حتى وصل الأمر للقتل في مرات كثيرة وهذا ما يعني ترويج الكراهية ضد الإسلام وأهله سواء أكانت النسوية أدوات لذلك أم واعيات لهذه الأجندة الحاقدة..

ثم إذا كان القصد من هذه الدعوات النسوية تحديثًا للإسلام وتطويرًا للخطاب الديني فلماذا يتهافت الغرب على هذه الدعوات ويحتفي بها ويكون السبّاق لها قبل أهلها، فهل أصبح الفرد الغربي أنسب الناس لتحديث الدين الإسلامي مع العلم بداهةً أن الإسلام ليس في حاجة لتحديث من قبل الشرق أو الغرب..؟؟

إن الغرب لم يتوانَ يومًا في محاربة الإسلام والصدّ عنه مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾. يقول سيد قطب رحمه الله في تفسيره في ظلال القرآن: وهذا التقرير الصادق من العليم الخبير يكشف عن الإصرار الخبيث على الشر، وعلى فتنة المسلمين عن دينهم، بوصفها الهدف الثابت المستقر لأعدائهم. وهو الهدف الذي لا يتغير لأعداء الجماعة المسلمة في كل أرض وفي كل جيل.. إن وجود الإسلام في الأرض هو بذاته غيظ ورعب لأعداء هذا الدين، ولأعداء الجماعة المسلمة في كل حين إن الإسلام بذاته يؤذيهم ويغيظهم ويخيفهم. فهو من القوة ومن المتانة بحيث يخشاه كل مبطل، ويرهبه كل باغ، ويكرهه كل مفسد. إنه حرب بذاته وبما فيه من حق أبلج، ومن منهج قويم، ومن نظام سليم.. إنه بهذا كله حرب على الباطل والبغي والفساد. ومن ثم لا يطيقه المبطلون البغاة المفسدون. ومن ثم يرصدون لأهله ليفتنوهم عنه، ويردوهم كفارًا في صورة من صور الكفر الكثيرة. ذلك أنهم لا يأمنون على باطلهم وبغيهم وفسادهم، وفي الأرض جماعة مسلمة تؤمن بهذا الدين، وتتبع هذا المنهج، وتعيش بهذا النظام. وتتنوع وسائل قتال هؤلاء الأعداء للمسلمين وأدواته، ولكن الهدف يظل ثابتًا.. أن يردوا المسلمين الصادقين عن دينهم إن استطاعوا. وكلما انكسر في يدهم سلاح انتضوا سلاحًا غيره، وكلما كلت في أيديهم أداة شحذوا أداةً غيرها..

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نسرين بوظافري

 

 

 

2015_04_16_Art_Anti_hate_women_or_publishing_philosophy_of_hatred_AR_OK.pdf