مع الحديث الشريف
فضل العشر من ذي الحجة
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ورد في سنن ابن ماجه – كتاب الصيام – باب صيام العشر
حدثنا علي بن محمد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء”
ورد في شرح الحديث في كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري – كتاب العيدين – فضل العمل في أيام التشريق
قوله: (ما العمل في أيام أفضل منها في هذه) كذا لأكثر الرواة بالإبهام، ووقع في رواية كريمة عن الكشميهني “ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه” وهذا يقتضي نفي أفضلية العمل في أيام العشر على العمل في هذه الأيام إن فسرت بأنها أيام التشريق، وعلى ذلك جرى بعض شراح البخاري.
وكذا رواه ابن ماجه من طريق أبي معاوية عن الأعمش، ورواه الترمذي عن رواية أبي معاوية فقال: “من هذه الأيام العشر” بدون يعني، وقد ظن بعض الناس أن قوله “يعني أيام العشر” تفسير من بعض رواته، لكن ما ذكرناه من رواية الطيالسي وغيره ظاهر في أنه من نفس الخبر. وكذا وقع في رواية القاسم بن أبي أيوب بلفظ ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى وفي حديث جابر في صحيحي أبي عوانة وابن حبان ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة فظهر أن المراد بالأيام في حديث الباب أيام عشر ذي الحجة، لكنه مشكل على ترجمة البخاري بأيام التشريق ويجاب بأجوبة:
أحدها: أن الشيء يشرف بمجاورته للشيء الشريف، وأيام التشريق تقع تلو أيام العشر، وقد ثبتت الفضيلة لأيام العشر بهذا الحديث فثبتت بذلك الفضيلة لأيام التشريق.
ثانيها: أن عشر ذي الحجة إنما شرف لوقوع أعمال الحج فيه، وبقية أعمال الحج تقع في أيام التشريق كالرمي والطواف وغير ذلك من تتماته فصارت مشتركة معها في أصل الفضل، ولذلك اشتركت معها في مشروعية التكبير في كل منها.
ثالثها: أن بعض أيام التشريق هو بعض أيام العشر وهو يوم العيد، وكما أنه خاتمة أيام العشر فهو مفتتح أيام التشريق، فمهما ثبت لأيام العشر من الفضل شاركتها فيه أيام التشريق، لأن يوم العيد بعض كل منها بل هو رأس كل منها وشريفه وعظيمه، وهو يوم الحج الأكبر.
قوله: (قالوا ولا الجهاد) في رواية سلمة بن كهيل “فقال رجل” ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث تعيين هذا السائل، وفي رواية غندر عند الإسماعيلي قال ولا الجهاد في سبيل الله مرتين وفي رواية سلمة بن كهيل أيضا “حتى أعادها ثلاثا” ودل سؤالهم هذا على تقرر أفضلية الجهاد عندهم، وكأنهم استفادوه من قوله – صلى الله عليه وسلم – في جواب من سأله عن عمل يعدل الجهاد فقال: لا أجده الحديث. وسيأتي في أوائل كتاب الجهاد من حديث أبي هريرة، ونذكر هناك وجه الجمع بينه وبين هذا الحديث إن شاء الله تعالى .
قوله: (إلا رجل خرج) كذا للأكثر، والتقدير إلا عمل رجل، وللمستملي “إلا من خرج”.
قوله: (يخاطر) أي يقصد قهر عدوه ولو أدى ذلك إلى قتل نفسه.
قوله: (فلم يرجع بشيء) أي فيكون أفضل من العامل في أيام العشر أو مساويا له، قال ابن بطال: هذا اللفظ يحتمل أمرين، أن لا يرجع بشيء من ماله وإن رجع هو، وأن لا يرجع هو ولا ماله بأن يرزقه الله الشهادة.
كثيرة هي مواسم الخير والبركات، وأسواق الآخرة ورفع الدرجات، فها نحن ما أن نخرج من موسم إلا ونستقبل موسماً آخر، ولا نفرغ من عبادة إلا وتنتظرنا أخرى، فما ودعنا رمضان حتى نفحتنا ستة شوال، وما إن ينقضى ذو القعدة إلا ونكرّم بعشرة ذي الحجة.
فالعمل الصالح في عشرة ذي الحجة أحبُّ إلى الله عز وجل من العمل في سائر أيام السنة من غير استثناء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ومما يدل على فضلها تخصيص الله لها بالذكر، حيث قال عز وجل: “وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ” ( الحج 28)، والأيام المعلومات هي أيام العشر الأوَل من ذي الحجة، وأيام هذه العشر أفضل من لياليها عكس ليالي العشر الأواخر من رمضان فإنها أفضل من أيامها، ولهذا ينبغي أن يجتهد في نهار تلك الأيام أكثر من الاجتهاد في لياليها.
فعلى المسلم وخاصة حامل الدعوة أن يعمر هذه الأيام وتلك الليالي بالأعمال الصالحة والأذكار النافعة، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وليتسابق المفلحون، وليتبارى العاملون، وليجتهد المقصِّرون، وليجدّ الجادّون، وليشمِّر المشمِّرون، حيث تُضاعف فيها الحسنات، وتُرفع الدرجات، وتتنزل الرحمات، وتُجاب فيها الدعوات، وتُغتفر فيها الزلات، وتكفر فيها السيئات، ويُحصل فيها ما فات.
قال تعالى: ﴿… فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (48)المائدة
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
احبتنا الكرام، والى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.