فضل الدعوة إلى الله، هي الزاد لدار المعاد
جاء في الحديث عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يَتْبَع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد، يَتْبَعه أهله وماله وعمله، فيرجِع أهله وماله، ويبقى عملُه» رواه البخاري ومسلم. فالعبد بعد موْته لن ينفعَه أهلُه، ولا ماله، ولا جاهه، ولا سُلْطانه، ولا أصحابه، ولا..، ولا..، إنما ينفعه عمله الصالح. ففيه حثٌّ للعبد على أن يعملَ عملاً صالحًا يؤنس وحشته في قبْره، ويُبَيِّض وجْهه عند لقاء ربِّه ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾. وبذلك يكون العبد قد أمَّن مُستقبله الحقيقي بعد موْته. ﴿فَلا يَخَافُ ظُلْمًا﴾ أي: زيادة في سيئاته، ﴿وَلا هَضْمًا﴾ أي: نقْصًا من حسناته، بل تُغْفر ذنوبُه، وتُطَهَّر عيوبه، وتُضاعَف حسناته ﴿وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.
والمسلم كذلك ينتفع بالأعمال التي يقوم بها غيره بسببه أو تقليداً له، لِمَا جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن دعا إلى هدى، كان له من الأجْر مثل أجور مَن تَبعه، لا يَنْقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومَن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام مَن تَبعه، لا يَنقص ذلك من آثامهم شيئًا» رواه مسلم. وفي الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام: «مَن دلَّ على خير، فله مثل أجْر فاعله» رواه مسلم. ومعنى قوله: «مَن دعا إلى هدى» \”يعني: بيَّنه للناس، ودعاهم إليه، كأن يبين للناس أن الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة وتطبيق شرع الله هي تاج الفروض والذل الذي نعيشه اليوم هو بسبب غيابها من واقع حياة المسلمين، ويجب على المسلمين جميعاً العمل على إقامة دين الله وشرعه متمثلاً بهذه الدولة التي تجمع المسلمين في ظلها وتذب عن مصالحهم فترعاهم كما ترعى الأم الحنون وليدها، لا أن تقذفهم في اليمِّ فتأكلهم وحوش أوروبا ووحوش البحر، فمن يدعو لهذا الخير فإن الثواب ينصب عليه صبّاً من رب العالمين حتى بعد مماته.
فهنيئاً لكل حملة الدعوة سواءٌ الذين قضوا نحبهم أو الذين ينتظرون ولم يبدلوا تبديلا، فهنيئا لكم يا شهداء أوزبيكستان والشام، يا أخيار الأمة، يا أسود الإسلام… فيا له من خير زادٍ لخير معاد، فحامل الدعوة إلى الله يُبيِّن للناس الإسلام، لا يفرق بين أحكام الله تعالى؛ فيُبيِّن للمسلمين أن ركعتي الضحى سُنَّة، وأنه ينبغي للمسلم أن يصلي ركعتين في الضحى، ويبين أيضاً أن تحكيم شرع الله في الدولة والمجتمع هو تاج الفروض وواجب على المسلمين أن يعملوا لذلك بكل ما يستطيعون، ويجب عليهم أن يأمروا الحكام وغيرهم بالمعروف وأن ينهوهم عن المنكر باذلين في سبيل ذلك الغالي والنفيس، فحملة الدعوة يسيرون إلى مضارب الناس يعلِّمونهم أمور دينهم، فلهم أجرهم وأجر من تبعهم في أمرهم دون أن ينقص ذلك من أجورهم فأعمالهم في نماء وازدياد باستمرار، وكذلك بقيَّة الأعمال الصالحة\”. وهكذا كل مَن دعا الناس إلى هدى بقوله أو بفعْله فله مثل أجْر مَن اتَّبعه إلى يوم القيامة، ويأتي في مقدمة الدُّعاة إلى الله نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فأجرُ هذه الأمة المباركة كلها يصل إليه، ويناله ثواب ذلك كله؛ فهذه الأعمال الصالحة يستمر أجْرُها لفاعلها بعد موته، ما دامت هذه الأعمال يُنتفع بها؛ قال المناوي رحمه الله: \”أي هذه الأعمال يجري على المؤمن ثوابُها من بعد موته، فإذا مات انقطَع عمله إلاَّ منها”. فهنيئًا لِمَن قدَّم لنفسه عملاً صالحًا في حياته، واستمرَّ له أجرُ ذلك بعد موته، وهنيئًا ثم هنيئًا لِمَن أسهَم في جميع تلك الأعمال النافعة، مُبْتغيًا بذلك وجْهَ الله، فذاك قد حاز على أعلى المراتب، وذلك فضْلُ الله يؤْتِيه مَن يشاء، فلمثل هذا ندعو المسلمين، لخير الدنيا والآخرة فإنه خيرُ زادٍ لدار المعاد.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الدكتور محمد الطميزي