إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي – ح 142
بيت المال
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة الثانية والأربعين بعد المائة, وعنوانها: “واردات بيت المال”. نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الثانية والثلاثين بعد المائتين من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: “بيت المال هو الجهة التي تختص بكل دخل أو خرج لما يستحقه المسلمون من مال. وعلى ذلك، فكل مال استحقه المسلمون، ولم يتعين مالكه منهم، فهو من حقوق بيت المال، حتى ولو تعين مالكه جهة. فإذا قبض، صار بالقبض مضافا إلى حقوق بيت المال، سواء أدخل إلى حرزه، أم لم يدخل؛ لأن بيت المال عبارة عن الجهة، لا عن المكان. وكل حق وجب صرفه في مصالح المسلمين فهو حق على بيت المال. فإذا صرف في جهته، صار مضافا إلى الخرج من بيت المال، سواء خرج من حرزه، أم لم يخرج. لأن ما صار إلى ولاة المسلمين، وعمالهم، أو خرج من أيديهم، فحكم بيت المال جار عليه في دخله إليه، وخرجه”.
ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: “قبل أن نتعرف إلى واردات ونفقات بيت المال يجدر بنا أن نتعرف إلى بيت المال أولا, هيا بنا نصحبكم معنا إلى الصفحة الثالثة والثمانين بعد المائتين من كتاب مقدمة الدستور القسم الأول منه ففيه بيان واف وواف, جاء فيه ما نصه: “بيت المال علم مركب تركيبا إضافيا, يطلق ويراد به المكان الذي تحفظ فيه واردات الدولة ريثما يتم إنفاقها, ويطلق ويراد به الجهة التي تختص بقبض وإنفاق ما يستحقه المسلمون من مال.
بيت المال جهاز مستقل عن أي جهاز آخر من أجهزة الدولة الإسلامية, يتبع الخليفة مباشرة أو من يولى عليه بإذنه, فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر بنفسه أحيانا خزن المال, وكانت له خزانة, وكان يباشر قبض المال وتوزيعه, ووضعه مواضعه, وأحيانا كان يولي غيره هذه الأمور. وكذلك كان يفعل خلفاؤه الراشدون من بعده, حيث كانوا يتولون بأنفسهم أمور بيت المال, أو ينيبون عنهم غيرهم.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يضع المال إما في المسجد, وإما في خزانة. وفي عهد الراشدين صار المكان الذي يحفظ فيه المال يسمى “بيت المال”. هذا بالنسبة للإطلاق الأول أي المكان. أما الإطلاق الثاني أي الجهة, فالذي يدعو إليه هو أن المال أحيانا لا يؤوى في بيت كالأراضي وآبار النفط والغاز, وجبال المعادن, وأموال الصدقات التي تؤخذ من الأغنياء, فتصرف للمستحقين دون أن تؤوى بيتا, وقد كانوا يستعملون “بيت المال” بمعنى الجهة أحيانا, ولا يمكن أن يراد به المكان, كما روى البيهقي في السنن, وأحمد في المسند عن لاحق بن حميد: “لما بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وعثمان بن حنيف إلى الكوفة بعث عمار بن ياسر على الصلاة وعلى الجيوش, وبعث ابن مسعود على القضاء وعلى بيت المال”. والشاهد فيه قوله: “وبعث ابن مسعود على القضاء وعلى بيت المال”. ولا يمكن أن يكون عمر بعثه بوابا على بيت المال, وإنما على الجهة بحيث يقبض وينفق”.
وقبل أن نودعكم أحبتنا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
معنى بيت المال: يطلق “بيت المال” إطلاقان اثنان:
1) الإطلاق الأول: يطلق ويراد به المكان الذي يحفظ فيه المال.
2) الإطلاق الثاني: يطلق ويراد به الجهة التي تقبض المال وتنفقه.
الإطلاق الأول “لبيت المال” ويراد به المكان الذي يحفظ فيه. وبيانه كالآتي:
1. بيت المال علم مركب تركيبا إضافيا, أي أنه مكون من مضاف: “بيت”, ومضاف إليه: “المال” يطلق ويراد به المكان الذي تحفظ فيه واردات الدولة ريثما يتم إنفاقها, ويطلق ويراد به الجهة التي تختص بقبض وإنفاق ما يستحقه المسلمون من مال.
2. بيت المال جهاز مستقل عن أي جهاز آخر من أجهزة الدولة الإسلامية, يتبع الخليفة مباشرة, أو من يوليه عليه الخليفة بإذنه.
3. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر بنفسه أحيانا خزن المال, وكانت له خزانة, وكان يباشر قبض المال وتوزيعه, ووضعه مواضعه, وأحيانا كان يولي غيره هذه الأمور.
4. كان الخلفاء الراشدون يتولون بأنفسهم أمور بيت المال, أو ينيبون عنهم غيرهم.
5. كان صلى الله عليه وسلم يضع المال إما في المسجد, وإما في خزانة.
6. في عهد الراشدين صار المكان الذي يحفظ فيه المال يسمى “بيت المال”.
الإطلاق الثاني “لبيت المال” ويراد به الجهة التي تقبض المال وتنفقه. وبيانه كالآتي:
1. الذي يدعو إلى إطلاق “بيت المال” على الجهة, هو أن المال أحيانا لا يؤوى في بيت كالأراضي وآبار النفط والغاز, وجبال المعادن, وأموال الصدقات التي تؤخذ من الأغنياء, فتصرف للمستحقين دون أن تؤوى بيتا.
2. كان الصحابة يستعملون “بيت المال” بمعنى الجهة أحيانا, ولا يمكن أن يراد به المكان, كما في قولهم: “وبعث ابن مسعود على القضاء وعلى بيت المال”. لا يمكن أن يكون عمر بعثه بوابا على بيت المال, وإنما على الجهة بحيث يقبض وينفق.
3. بيت المال هو الجهة التي تختص بكل دخل أو خرج لما يستحقه المسلمون من مال.
4. بيت المال هو الجهة, وليس هو المكان الذي يحفظ المال فيه.
5. كل مال استحقه المسلمون، ولم يتعين مالكه منهم، فهو من حقوق بيت المال حتى ولو تعين مالكه جهة.
6. إذا قبض المال صار بالقبض مضافا إلى حقوق بيت المال، سواء أدخل إلى حرزه، أم لم يدخل.
7. كل حق وجب صرفه في مصالح المسلمين فهو حق على بيت المال.
8. إذا صرف في جهته، صار مضافا إلى الخرج من بيت المال، سواء خرج من حرزه، أم لم يخرج.
9. ما صار إلى ولاة المسلمين، وعمالهم، أو خرج من أيديهم، فحكم بيت المال جار عليه في دخله إليه، وخرجه.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.