إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 136)
الملكية العامة
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد، وحذرهم سبل الفساد، والصلاة والسلام على خير هاد، المبعوث رحمة للعباد، الذي جاهد في الله حق الجهاد، وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد، الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد، فاجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد، يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي، ومع الحلقة السادسة والثلاثين بعد المائة، وعنوانها: “الملكية العامة”. نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الثامنة عشرة بعد المائتين من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: “الملكية العامة هي إذن الشارع للجماعة بالاشتراك في الانتفاع بالعين. والأعيان التي تتحقق فيها الملكية العامة هي الأعيان التي نص الشارع على أنها للجماعة مشتركة بينهم، ومنع من أن يحوزها الفرد وحده، وهذه تتحقق في ثلاثة أنواع هي:
1 – ما هو من مرافق الجماعة، بحيث إذا لم تتوفر لبلدة أو جماعة تفرقوا في طلبها.
2 – المعادن التي لا تنقطع.
3 – الأشياء التي طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها.
أما ما هو من مرافق الجماعة، فهو كل شيء يعتبر من مرافق الناس عموما. وقد بينها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث، من حيث صفتها، لا من حيث عددها. فعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار”. رواه أبو داود ورواه أنس من حديث ابن عباس وزاد فيه “وثمنه حرام”.
وروى ابن ماجه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاث لا يمنعن: الماء والكلأ والنار”. وفي هذا دليل على أن الناس شركة في الماء، والكلأ، والنار، وأن الفرد يمنع من ملكيتها. إلا أن الملاحظ أن الحديث ذكرها ثلاثا، وهي أسماء جامدة، ولم ترد علة للحديث. فالحديث لم يتضمن علة، وهذا يوهم أن هذه الأشياء الثلاثة هي التي تكون ملكية عامة، لا وصفها من حيث الاحتياج إليها. ولكن المدقق يجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أباح الماء في الطائف، وخيبر، للأفراد أن يمتلكوه، وامتلكوه بالفعل لسقي زروعهم وبساتينهم، فلو كانت الشركة للماء، من حيث هو، لا من حيث صفة الاحتياج إليه، لما سمح للأفراد أن يمتلكوه.
فمن قول الرسول: “المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء .. “الخ. ومن إباحته عليه الصلاة والسلام للأفراد أن يمتلكوا الماء، تستنبط علة الشراكة في الماء، والكلأ، والنار، وهي كونه من مرافق الجماعة، التي لا تستغني عنها الجماعة. فيكون الحديث ذكر الثلاثة، ولكنها معللة؛ لكونها من مرافق الجماعة. وعلى ذلك، فإن هذه العلة تدور مع المعلول وجودا وعدما، فكل شيء يتحقق فيه كونه من مرافق الجماعة يعتبر ملكا عاما، سواء أكان الماء، والكلأ، والنار، أم لا، أي ما ذكر في الحديث وما لم يذكر. وإذا فقد كونه من مرافق الجماعة، ولو كان قد ذكر في الحديث كالماء، فإنه لا يكون ملكا عاما، بل يكون من الأعيان التي تملك ملكا فرديا. وضابط ما هو من مرافق الجماعة، هو أن كل شيء، إذا لم يتوفر للجماعة، أيا كانت الجماعة، كمجموعة بيوت شعر، أو قرية، أو مدينة، أو دولة، تفرقت في طلبه، يعتبر من مرافق الجماعة، كمنابع المياه، وأحراش الاحتطاب، ومراعي الماشية، وما شابه ذلك”.
وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم: تعريف الملكية العامة:
الملكية العامة هي إذن الشارع للجماعة بالاشتراك في الانتفاع بالعين.
الأعيان التي تتحقق فيها الملكية العامة:
الأعيان التي تتحقق فيها الملكية العامة هي الأعيان التي نص الشارع على أنها للجماعة مشتركة بينهم، ومنع من أن يحوزها الفرد وحده.
الأنواع التي تتحقق فيها الملكية العامة:
تتحقق الملكية العامة في ثلاثة أنواع هي:
1 – ما هو من مرافق الجماعة، بحيث إذا لم تتوفر لبلدة أو جماعة تفرقوا في طلبها.
2 – المعادن التي لا تنقطع.
3 – الأشياء التي طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها.
القسم الأول من أنواع الملكية العامة: مرافق الجماعة:
تعريف مرافق الجماعة: مرافق الجماعة هي كل شيء يعتبر من مرافق الناس عموما.
بيان النبي لمرافق الجماعة:
بين النبي عليه الصلاة والسلام مرافق الجماعة من حيث صفتها، لا من حيث عددها. فقال: “المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار”.
دلالة حديث النبي عليه الصلاة والسلام:
1. دل الحديث على أن الناس شركاء في الماء، والكلأ، والنار.
2. دل على أن الفرد يمنع من ملكيتها.
الماء والكلأ والنار أسماء جامدة ليست علة للحديث:
1. ذكر الحديث مرافق الجماعة ثلاثا، وهي أسماء جامدة، ولم ترد علة للحديث.
2. عدم ورودها علة للحديث يوهم أن هذه الأشياء الثلاثة هي التي تكون ملكية عامة، لا وصفها من حيث الاحتياج إليها.
3. يجد المدقق أن النبي عليه الصلاة والسلام أباح الماء في الطائف، وخيبر، للأفراد أن يمتلكوه، وامتلكوه بالفعل لسقي زروعهم وبساتينهم.
4. لو كانت الشركة للماء، من حيث هو، لا من حيث صفة الاحتياج إليه، لما سمح للأفراد أن يمتلكوه.
العلة الشرعية المستنبطة من الحديث هي الشراكة في المرافق العامة:
فمن قول النبي: “المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء” ومن إباحته عليه الصلاة والسلام للأفراد أن يمتلكوا الماء، تستنبط علة الشراكة في الماء، والكلأ، والنار.
1. ذكر الحديث الأشياء الثلاثة، ولكنها معللة؛ لكونها من مرافق الجماعة التي لا تستغني عنها.
2. هذه العلة تدور مع المعلول وجودا وعدما، فكل شيء يتحقق فيه كونه من مرافق الجماعة يعتبر ملكا عاما، سواء أكان الماء، والكلأ، والنار، أم لا. وسواء أذكر في الحديث أم لم يذكر.
3. إذا فقد كونه من مرافق الجماعة، ولو كان قد ذكر في الحديث كالماء، فإنه لا يكون ملكا عاما، بل يكون من الأعيان التي تملك ملكا فرديا.
4. ضابط ما هو من مرافق الجماعة، هو أن كل شيء، إذا لم يتوفر للجماعة تفرقت في طلبه، يعتبر من مرافق الجماعة، كمنابع المياه، وأحراش الاحتطاب، ومراعي الماشية، وما شابه ذلك.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام، وأن يعز الإسلام بنا، وأن يكرمنا بنصره، وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل، وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها، إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.