إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 120)
التأمـين
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد، وحذرهم سبل الفساد، والصلاة والسلام على خير هاد، المبعوث رحمة للعباد، الذي جاهد في الله حق الجهاد، وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد، الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد، فاجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد، يوم يقوم الناس لرب العباد.
\n
أيها المؤمنون:
\n
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي، ومع الحلقة العشرين بعد المائة، وعنوانها: \”التأمين\”. نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الثانية والثمانين بعد المائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني. يقول رحمه الله:
\n
التأمين: التأمين على الحياة، أو على البضاعة، أو على الممتلكات، أو على أي نوع من أنواعه المتعددة هو عقد من العقود. فهو عقد بين شركة التأمين وبين الشخص المؤمن، يطلب فيه المؤمن من شركة التأمين أن تعطيه تعهدا بأن تعوض عليه، إما عين ما خسره أو ثمنه، بالنسبة للبضاعة أو الممتلكات، وإما مبلغا من المال بالنسبة للحياة ومثلها. وذلك حين حصول حادث ما يعينانه خلال مدة معينة، مقابل مبلغ معين، فتقبل الشركة ذلك.
\n
وبناء على هذا الإيجاب والقبول، تتعهد شركة التأمين، بأن تعوض على المؤمن، ضمن شروط معينة يتفق عليها الفريقان، إما عين ما خسره، أو ثمنه، حين حصول الحادث، أو مبلغا من المال يتفق عليه. مثل ما إذا تلفت بضاعته، أو تضررت سيارته، أو احترق بيته، أو سرقت ممتلكاته، أو مات، أو ما شاكل ذلك، خلال مدة معينة، مقابل أن يدفع لها المؤمن مبلغا معينا من المال، خلال مدة معينة.
\n
ومن هذا يتبين أن التأمين هو اتفاق بين شركة التأمين والمؤمن، على نوع التأمين، وشروطه، فهو عقد، غير أنه بناء على هذا العقد الذي تم بينهما – وهو الاتفاق – تعطي الشركة تعهدا بالتعويض، أو دفع مبلغ معين، ضمن الشروط التي جرى الاتفاق عليها. فإذا حصل للمؤمن حادث، ينطبق على بنود العقد، صارت الشركة ملزمة بأن تعوض العين المتلفة، أو ثمنها حسب سعر السوق، حين حصول الحادث. والشركة هي المخيرة بين دفع الثمن، أو تعويض العين إلى المؤمن، أو للغير. وصار هذا التعويض حقا من حقوق المؤمن، في ذمة الشركة، بمجرد حصول ما ذكر في العقد، إذا اقتنعت الشركة بالاستحقاق، أو حكمت المحكمة بذلك.
\n
وقد اصطلح على هذا اسم التأمين. وقد يكون التأمين لمصلحة المؤمن، وقد يكون لمصلحة غيره، كأولاده، وزوجته، وسائر ورثته، أو أي شخص أو جماعة يعينهم المؤمن. وإطلاق اسم التأمين على الحياة، أو على البضاعة، أو على الصوت، أو غير ذلك، إنما هو لتحبيب هذه المعاملة للناس. وإلا فالحقيقة أنه لا يؤمن على الحياة، وإنما يؤمن على الحصول على مبلغ معين لأولاده، أو لزوجته، أو لسائر ورثته، أو لأي شخص أو جماعة يعينهم المؤمن، إذا حصل له الموت. وهو لا يؤمن على البضاعة، ولا على السيارة ولا على الممتلكات، أو غير ذلك، وإنما يؤمن على تعويض العين، أو ثمنها من المال، إذا حصل لبضاعته، أو لسيارته، أو لممتلكاته، أو لأي شيء يملكه، ضرر، أو تلف. فهو في الحقيقة ضمانة للحصول على مبلغ من المال له أو لغيره، أو على تعويض إذا حصل له شيء مما يفقده نفسه، أو يتلف ماله، وليس ضمانا لحياته أو ممتلكاته. هذا هو واقع التأمين وبالتدقيق فيه يتبين أنه باطل من وجهين:
\n
أحدهما: إنه عقد لأنه اتفاق بين طرفين، ويشتمل على الإيجاب والقبول: الإيجاب من المؤمن، والقبول من الشركة. فحتى يصح هذا العقد شرعا يجب أن يتضمن شروط العقد الشرعية، فإن تضمنها صح، وإلا فلا. والعقد شرعا يجب أن يقع على عين، أو منفعة، فإن لم يقع على عين، أو لم يقع على منفعة كان باطلا؛ لأنه لم يقع على شيء يجعله عقدا شرعا؛ لأن العقد شرعا يقع إما على عين بعوض كالبيع، والسلم، والشركة وما شاكل ذلك، وإما على عين بغير عوض كالهبة، وإما على منفعة بعوض كالإجارة، وإما على منفعة بغير عوض كالعارية.
\n
\n
\n
\n
\n
\n
فلا بد من أن يقع العقد شرعا على شيء. وعقد التأمين ليس عقدا وقع على عين، ولا على منفعة، وإنما هو عقد وقع على تعهد، أي على ضمانة. والتعهد أو الضمانة لا يعتبر عينا؛ لأنه لا يستهلك، ولا تؤخذ منفعته، ولا يعتبر منفعة؛ لأنه لا ينتفع بذات التعهد، لا بالأجرة، ولا بالإعارة. وأما حصول المال، بناء على هذا التعهد، فلا يعتبر منفعة له، وإنما هو أثر من آثار معاملة من المعاملات. ومن هنا لا يعتبر أن عقد التأمين وقع على عين، ولا على منفعة فهو عقد باطل، لأنه عقد لم يستوف الشروط الواجب توفرها في العقد شرعا، حتى يتم اعتباره عقدا.
\n
ثانيهما: إن الشركة أعطت تعهدا للمؤمن ضمن شروط مخصوصة، فهو من قبيل الضمان فلا بد من أن تطبق عليه الشروط التي يطلبها الشرع في الضمان حتى يكون ضمانا شرعيا. فإن تضمنها صح، وإلا فلا\”.
\n
وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
\n
1. التأمين عقد من العقود: التأمين على الحياة، أو على البضاعة، أو على الممتلكات، أو على أي نوع من أنواعه المتعددة هو عقد من العقود.
\n
2. تعريف التأمين: التأمين عقد بين شركة التأمين وبين الشخص المؤمن، يطلب فيه المؤمن من شركة التأمين أن تعطيه تعهدا بأن تعوض عليه.
\n
3. طرق تعويض شركة التأمين: تعوض شركة التأمين على المؤمن بإحدى الطرق الآتية:
\n
1) بعين ما خسره، بالنسبة للبضاعة أو الممتلكات.
\n
2) بثمن ما خسره، بالنسبة للبضاعة أو الممتلكات.
\n
3) بمبلغ من المال بالنسبة للحياة ومثلها.
\n
4. عقد شركة التأمين: حين حصول حادث ما يعينه المؤمن وشركة التأمين خلال مدمة معينة، مقابل مبلغ معين يدفعه المؤمن شهريا أو سنويا، فتقبل الشركة ذلك. وبناء على هذا الإيجاب والقبول، تتعهد شركة التأمين، بأن تعوض على المؤمن، ضمن شروط معينة يتفق عليها الفريقان.
5. التأمين تعهد بالتعويض: تتعهد شركة التأمين بدفع مبلغ معين، ضمن الشروط التي جرى الاتفاق عليها. فإذا حصل للمؤمن حادث، ينطبق على بنود العقد، صارت الشركة ملزمة بأن تعوض العين المتلفة، أو ثمنها حسب سعر السوق، حين حصول الحادث. والشركة هي المخيرة بين دفع الثمن، أو تعويض العين إلى المؤمن.
\n
6. التعويض حق من حقوق المؤمن: يصبح التعويض حقا من حقوق المؤمن في ذمة الشركة، بمجرد حصول ما ذكر في العقد، إذا اقتنعت الشركة بالاستحقاق، أو حكمت المحكمة بذلك.
\n
7. صاحب المصلحة من التأمين: قد يكون التأمين لمصلحة المؤمن، وقد يكون لمصلحة غيره، كأولاده، وزوجته، وسائر ورثته، أو أي شخص أو جماعة يعينهم المؤمن.
8. سبب تسمية التأمين بهذا الاسم: إطلاق اسم التأمين على الحياة، أو على البضاعة، أو على الصوت، أو غير ذلك، إنما هو لتحبيب هذه المعاملة للناس.
\n
9. حقيقة التأمين: الحقيقة أنه لا يؤمن على الحياة، وإنما يؤمن على الحصول على مبلغ معين لأولاده، أو لزوجته، أو لسائر ورثته، أو لأي شخص أو جماعة يعينهم المؤمن، إذا حصل له الموت. وهو لا يؤمن على البضاعة، ولا على السيارة ولا على الممتلكات، أو غير ذلك، وإنما يؤمن على تعويض العين، أو ثمنها من المال، إذا حصل لبضاعته، أو لسيارته، أو لممتلكاته، أو لأي شيء يملكه، ضرر، أو تلف.
\n
10. واقع التأمين أنه ضمان: التأمين في الحقيقة ضمانة للحصول على مبلغ من المال له أو لغيره، أو على تعويض إذا حصل له شيء مما يفقده نفسه، أو يتلف ماله، وليس ضمانا لحياته أو ممتلكاته.
\n
11. الحكم الشرعي في التأمين: هذا هو واقع التأمين وبالتدقيق فيه يتبين أنه باطل من وجهين:
\n
الوجه الأول: أنه عقد، وعقد التأمين لم يقع على عين، ولا على منفعة، وإنما وقع على تعهد، أي على ضمانة. والتعهد أو الضمانة لا يعتبر عينا؛ لأنه لا يستهلك، ولا تؤخذ منفعته، ولا يعتبر منفعة؛ لأنه لا ينتفع بذات التعهد، لا بالأجرة، ولا بالإعارة. وحصول المال، بناء على هذا التعهد، لا يعتبر منفعة له. ومن هنا فهو عقد باطل لأنه لم يستوف الشروط الواجب توفرها في العقد شرعا، حتى يتم اعتباره عقدا.
\n
الوجه الثاني: أن الشركة أعطت تعهدا للمؤمن ضمن شروط مخصوصة، فهو من قبيل الضمان فلا بد من أن تطبق عليه الشروط التي يطلبها الشرع في الضمان حتى يكون ضمانا شرعيا. فإن تضمنها صح، وإلا فلا. ومن هنا فهو تعهد باطل، لأنه لم يستوف الشروط الواجب توفرها في الضمان كما سنبين في الحلقة القادمة بمشيئة الله.
\n
أيها المؤمنون:
\n
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام، وأن يعز الإسلام بنا، وأن يكرمنا بنصره، وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل، وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها، إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
\n