حرب الأنظمة على المساجد نزاع مع الله في ملكه
تنتهك المساجد في شهر رمضان الفضيل ولم يترك أعداء الإسلام مؤمناً إلا وعملوا على إبعاده أو تنفيره من الصلاة في المساجد. نقلت وسائل الإعلام الكثير من الأخبار عن غلق المساجد في شتى بلاد المسلمين وعن وضع الحكومات \”شروطاً\” لارتيادها:
\n
في الحجاز \”حددت إدارة المساجد في مكة المكرمة التابعة لوزارة الأوقاف السعودية، ستة شروط رسمية للاعتكاف خلال العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، ومنعت الإدارة الاعتكاف في المساجد التي لا تقام فيها صلاة الجمعة، فيما سمحت بالاعتكاف في المساجد الكبيرة. وكانت الشروط كما يلي: تسجيل اسم المعتكف ومعلوماته الشخصية ومدة الاعتكاف، وأن يكون الاعتكاف في مكان خاص ومحدد من المسجد، بالإضافة إلى تسجيل أرقام هواتف ذوي المعتكف..\”
\n
وفي تونس \”أعلنت خلية الاتصال المكلفة بتنفيذ الإجراءات الحكومية العاجلة بعد التفجيرات التي حدثت بسوسة أن الحكومة بدأت بتنفيذ قرار غلق 80 من المساجد التي \”لا تخضع لسيطرتها\”\”، وتم منع خطباء أفذاذ من إلقاء الخطبة ومن إمامة المصلين كما حدث مع رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في تونس الأستاذ رضا بلحاج.
\n
وفي مصر \”شهدت بيوت الله فتوراً ونقصاً ملحوظاً في أعداد المصلين في المساجد المشهورة كمسجد \”الفتح\” الذي كان يعج بآلاف المصلين للتراويح والتهجد لكنه أصبح اليوم ذكرى أليمة حيث أضرم شبيحة السيسي النار فيه وقتلوا عشرات المصلين حرقاً فقط لأنهم مسلمون ويطالبون بحكم الإسلام وبالإطاحة بحكم العسكر، ولا يزال \”الملتحي\” الذي يصلي في مساجد مصر المشهورة \”متهماً\” عند النظام بدون أن تثبت إدانته. ويطلب حارس المسجد بطاقة المصلي أو المعتكف ويجعله يملأ استمارة دخول إلى المسجد..\”
\n
ويأتي التبرير لهذه الأعمال الهمجية من الحكومات بأن المساجد تنشر \”الفكر المتطرف\” وأنها مراكز \”تفريخ\” الإرهابيين! ويقصد بالتطرف والإرهاب أبسط ما يحمله المسلم من الأفكار والمفاهيم الإسلامية، اللحية أو النقاب حتى.. ولذلك يتم جمع أكبر قدر من المعلومات الشخصية عن المصلين وفتح ملفات استخباراتية لرصد كل من يقترب من المسجد..
\n
والسؤال هنا مم تخاف الأنظمة ولماذا تربط بين المصلين في المساجد وبين \”الإرهاب\” حسب زعمهم؟ أليس هم من سلطوا علماء السلاطين ليروجوا كذبة أن السياسة ليست من الإسلام وأن الإسلام دين عبادات فقط؟ أوليست المساجد دور عبادة؟ فلماذا تتدخل الحكومات اليوم فيما يجري في بيوت الله وتغلقها أو تتجسس على مرتاديها؟ ألا يكفي أن غالبية الأئمة والخطباء عناصر من الأمن يقرأون كالببغاوات خطباً مكتوبة وزعتها عليهم وزارة الأوقاف؟ خطباً تكبر وتهلل وتمدح الحكام وتنعق بحرمة الخروج على \”ولي الأمر\”؟ ألا يكفي أن الشرطة والأمن تقوم بحراسة المساجد ليلا ونهاراً حتى تبث الرعب في قلوب المؤمنين ولا تسول لهم أنفسهم \”الخروج \”على النظام؟ لا يكفيهم لأن هكذا هو الظالم؛ جبان: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [سورة البقرة: 114].
\n
لذلك لا يكفي ولن يكفي لأن هؤلاء الرويبضات يعلمون جيداً أن الإسلام سياسي وأن السياسة من الإسلام وأن المساجد جعلها الله تعالى نقاط تحول وتغيير، لها تأثير مباشر على المجتمع وعلى الدولة، هي مراكز رعاية شؤون المسلمين لبعضهم بعضاً وهي منطلق تباحثهم في أمورهم ومحاسبة حكامهم، خطبة الجمعة بالذات مؤتمر يبحث قضايا المسلمين ومشاكلهم اليومية، فيها يتم عقد الزواج وفيها يعلن عن أعمال التكافل وفيها يجتمعون لرفع الشكاوي على المحليات الحكومية، ومن هنا يستمد المسجد قوته. فعندما يجتمع أولياء الله الأتقياء الأنقياء في أحب الأماكن إلى الله ورسوله وإلى المؤمنين الصالحين وفيها تتجلى قوة الإيمان وتزيد ويصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسبة الحكام على تقصيرهم في تطبيق الإسلام – بدون أي خوف من النظام – يصبح أول الأولويات ويبقى أن يتفق الناس على كيفية القيام بهذه الفروض ضمن لقاءاتهم في المسجد، لذلك يعتبر النظام هذا \”تطرفاً\” أو \”إرهاباً\” لأن منصبه في الحكم وكرسيه الذي التصق به رموزه لنهب الثروات والافتراء على العباد قد بات مهدداً بالسقوط.
\n
قال سبحانه: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [سورة الجن: 18]. فالملك لله وحده. يقول ﷺ: «يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيمينه، ثم يطوي الأرض يوم القيامة ثم يأخذهن بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الدنيا؟» رواه البخاري ومسلم. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «أَحَبُّ الْبِلاَدِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلاَدِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقهَا». أخرجه مسلم.
\n
إن مكانة المسجد المهمة في الإسلام مرتبطة ارتباطا وثيقا بأساس العقيدة الإسلامية – شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله – مكانة مرتبطة بـ \”إن الحكم إلا لله\” وبإعلاء كلمة التوحيد نهضة البشرية على أساس الإسلام فقط.
\n
وعندما أقام رسول الله ﷺ الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة وهاجر هو وأصحابه إليها فإن أول ما بدأ به كان بناء مسجده ﷺ مسجد قباء، وهو أول مسجد بُني في المدينة، وأول مسجد بني لعموم الناس. وكان النبي ﷺ إذا نزل منزلاً في سفر أو حرب وبقي فيه مدة اتخذ فيه مسجداً يصلي فيه بأصحابه رضي الله عنهم، كما فعل في خيبر. \”وفاء الوفا بأخبار المصطفى للسمهودي 3/1028.\” واهتم الخلفاء الراشدون ببناء المساجد حتى كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى ولاته \”أن يبنوا مسجداً جامعاً في مقر الإمارة، ويأمروا القبائل والقرى ببناء مساجد جماعة في أماكنهم. عن عثمان بن عطاء قال لما فتح عمر بن الخطاب البلد كتب إلى أبي موسى الأشعري وهو على البصرة يأمره أن يتخذ للجماعة مسجداً فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة فشهدوا الجمعة. كنز العمال 8/313-314.\” أي أن المسجد مرتبط ارتباطا وثيقا بالإمارة وبمراكز الحكم ومنه كانت تتم مخاطبة الملوك والأمراء ودعوتهم إلى الدخول في الإسلام ومنه يعلن الجهاد. أي كانت المساجد نقاط تحول وتغيير؛ فكان المسجد الأقصى مسرى رسول الله ﷺ ونراه مكتظاً في رمضان المبارك بالمصلين رغماً عن أنف يهود.. وكان المسجد الحرام في مكة المكرمة أول مسجد بني على الأرض لتوحيد الله وكان المسجد النبوي منطلقاً للدولة الإسلامية ونشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها. وفي يومنا هذا انطلقت شرارة ثورة الشام المباركة من مسجد صغير بدرعا الأبية خرجت مطالبة بإعزاز الدين وبإسقاط أعتى طواغيت العصر ولا زالت الثورة مستمرة وتتخذ من المساجد منطلقاً لها حتى تنتصر بإقامة الخلافة الراشدة التي ستعلن للعالم أن الملك لله سبحانه وحده. إن المساجد بيوت الله تعالى في أرضه جعلها خالصة له وحده وفيها وبها يحفظ الله تعالى الإسلام والمسلمين ويرد كيد الطغاة المتجبرين.
\n
\n
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة محمد حمدي – ولاية السودان
\n
\n