إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 108)
شركة المفاوضة، فسخ الشركة
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد، وحذرهم سبل الفساد، والصلاة والسلام على خير هاد، المبعوث رحمة للعباد، الذي جاهد في الله حق الجهاد، وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد، الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد، فاجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد، يوم يقوم الناس لرب العباد.
\n
أيها المؤمنون:
\n
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي، ومع الحلقة الثامنة بعد المائة وعنوانها: \”شركة المفاوضة، فسخ الشركة\”. نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الثامنة والخمسين بعد المائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
\n
يقول رحمه الله: \”شركة المفاوضة، وهي أن يشترك الشريكان في جميع أنواع الشركة المار ذكرها، مثل أن يجمعا بين شركة العنان، والأبدان، والمضاربة، والوجوه، وذلك كأن يدفع شخص مالا لمهندسين شراكة مع مالهما مضاربة، ليبنيا دورا لبيعها والتجارة فيها، واتفقا على أن يشتغلا بأكثر مما بين أيديهما من مال، وصارا يأخذان بضاعة من غير دفع ثمنها حالا، بناء على ثقة التجار بهما. فاشتراك المهندسين معا ببدنهما شركة أبدان؛ باعتبار صناعتهما ودفعهما مالا منهما يشتغلان به معا شركة عنان، وأخذهما مالا من غيرهما مضاربة شركة مضاربة، واشتراكهما في البضاعة التي يشتريانها بناء على ثقة التجار بهما شركة وجوه، فهذه الشركة جمعت جميع أنواع الشركات في الإسلام فيصح ذلك؛ لأن كل نوع منها يصح على انفراده، فيصح مع غيره. والربح على ما اصطلحا عليه، فيجوز أن يجعل الربح على قدر المالين، ويجوز أن يتساويا مع تفاضلهما في المال، وأن يتفاضلا مع تساويهما في المال. هذا النوع من شركة المفاوضة جائز لورود النص به.
\n
أما ما يذكره بعض الفقهاء، من أنواع شركة المفاوضة الأخرى، وهي أن يشترك الرجلان، فيتساويان في ماليهما، وتصرفهما، ودينهما، يفوض كل واحد منهما إلى صاحبه على الإطلاق، فلا تجوز مطلقا؛ لأنه لم يرد نص شرعي دليلا عليها، ولأن الحديث الذي يستشهدون به وهو «إذا تفاوضتم فأحسنوا المفاوضة» أو حديث «فاوضوا فإنه أعظم للبركة». لم يصح شيء من هذين الحديثين، ولا في معناهما، على فرض صحة دلالتهما؛ ولأن هذه الشركة شركة على مال مجهول، وعمل مجهول، وهذا وحده كاف لعدم صحة هذه الشركة؛ ولأن من مالهما الإرث الذي يصير إليهما بعد وفاة المورث، وقد يكون أحدهما ذميا فكيف يجعل له نصيب في الإرث. ولأن الشركة تتضمن معنى الوكالة، والوكالة بمجهول الجنس لا تجوز. فكان كله دالا على عدم صحة هذا النوع من شركة المفاوضة\”.
فسخ الشركة:
\n
والشركة من العقود الجائزة شرعا. وتبطل بموت أحد الشريكين، أو جنونه، أو الحجر عليه لسفه، أو بالفسخ من أحدهما، إذا كانت الشركة مكونة من اثنين، لأنها عقد جائز، فبطلت بذلك كالوكالة. فإن مات أحد الشريكين، وله وارث رشيد، فله أن يقيم على الشركة، ويأذن له الشريك في التصرف، وله المطالبة بالقسمة. وإذا طلب أحد الشريكين الفسخ وجب على الشريك الآخر إجابة طلبه. وإذا كانوا شركاء، وطلب أحدهم فسخ الشراكة ورضي الباقون ببقائها، فسخت الشركة التي كانت قائمة، وجددت بين الباقين. إلا أنه يفرق في الفسخ بين شركة المضاربة وغيرها، ففي شركة المضاربة، إذا طلب العامل البيع، وطلب صاحب المال القسمة، أجيب طلب العامل؛ لأن حقه في الربح، ولا يظهر الربح إلا في البيع. أما في باقي أنواع الشركة إذا طلب أحدهما القسمة، والآخر البيع، أجيب طلب القسمة، دون طلب البيع\”.
\n
وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
\n
1. تعريف شركة المفاوضة: أن يشترك الشريكان في جميع أنواع الشركة المار ذكرها، مثل أن يجمعا بين شركة العنان، والأبدان، والمضاربة، والوجوه.
2. مثال على شركة المفاوضة: كأن يدفع شخص مالا لمهندسين شراكة مع مالهما مضاربة، ليبنيا دورا لبيعها والتجارة فيها، واتفقا على أن يشتغلا بأكثر مما بين أيديهما من مال، وصارا يأخذان بضاعة من غير دفع ثمنها حالا، بناء على ثقة التجار بهما.
\n
1) فاشتراك المهندسين معا ببدنهما شركة أبدان؛ باعتبار صناعتهما.
2) ودفعهما مالا منهما يشتغلان به معا شركة عنان.
3) وأخذهما مالا من غيرهما مضاربة شركة مضاربة.
4) واشتراكهما في البضاعة التي يشتريانها بناء على ثقة التجار بهما شركة وجوه.
3. مشروعية شركة المفاوضة: هذه الشركة جمعت جميع أنواع الشركات في الإسلام فيصح ذلك؛ لأن كل نوع منها يصح على انفراده، فيصح مع غيره. فهذا النوع من شركة المفاوضة جائز لورود النص به.
\n
4. توزيع الربح في شركة المفاوضة: الربح على ما اصطلح عليه الشريكان فيجوز فيه ثلاثة أوجه:
\n
1) أن يجعل الربح على قدر المالين.
2) أن يتساوي الشريكان مع تفاضلهما في المال.
3) أن يتفاضل الشريكان مع تساويهما في المال.
\n
5. نوع لا يصح من شركة المفاوضة:
\n
يذكر بعض الفقهاء نوعا لا يصح من شركة المفاوضة وهو: أن يشترك الرجلان، فيتساويان في ماليهما، وتصرفهما، ودينهما، يفوض كل واحد منهما إلى صاحبه على الإطلاق. هذا النوع لا يجوز مطلقا لخمسة أسباب هي:
\n
1) لأنه لم يرد نص شرعي دليلا عليه.
2) لأن الحديث الذي يستشهدون به وهو «إذا تفاوضتم فأحسنوا المفاوضة» أو حديث «فاوضوا فإنه أعظم للبركة». لم يصح شيء من هذين الحديثين، ولا في معناهما على فرض صحة دلالتهما.
3) لأنه شركة على مال مجهول وعمل مجهول وهذا وحده كاف لعدم صحة هذه الشركة.
4) لأن من مالهما الإرث الذي يصير إليهما بعد وفاة المورث، وقد يكون أحدهما ذميا فكيف يجعل له نصيب في الإرث.
5) لأن الشركة تتضمن معنى الوكالة، والوكالة بمجهول الجنس لا تجوز. فكان كله دالا على عدم صحة هذا النوع من شركة المفاوضة\”.
\n
6. أحكام فسخ الشركة في الإسلام: الشركة من العقود الجائزة شرعا، ولها أحكام خاصة منها:
\n
1) تبطل الشركة بموت أحد الشريكين، أو جنونه، أو الحجر عليه لسفه، أو بالفسخ من أحدهما، إذا كانت الشركة مكونة من اثنين، لأنها عقد جائز، فبطلت بذلك كالوكالة.
2) إن مات أحد الشريكين، وله وارث رشيد، فله أن يقيم على الشركة، ويأذن له الشريك في التصرف، وله المطالبة بالقسمة.
3) إذا طلب أحد الشريكين الفسخ وجب على الشريك الآخر إجابة طلبه.
4) إذا كانوا شركاء، وطلب أحدهم فسخ الشراكة ورضي الباقون ببقائها، فسخت الشركة التي كانت قائمة، وجددت بين الباقين.
\n
7. الفرق في الفسخ بين شركة المضاربة وغيرها:
\n
1) في شركة المضاربة، إذا طلب العامل البيع، وطلب صاحب المال القسمة، أجيب طلب العامل؛ لأن حقه في الربح، ولا يظهر الربح إلا في البيع.
2) في باقي أنواع الشركة إذا طلب أحدهما القسمة، والآخر البيع، أجيب طلب القسمة، دون طلب البيع.
\n
\n
أيها المؤمنون:
\n
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام، وأن يعز الإسلام بنا، وأن يكرمنا بنصره، وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل، وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها، إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.