إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 105)
شركة الأبدان
\n
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد، وحذرهم سبل الفساد، والصلاة والسلام على خير هاد، المبعوث رحمة للعباد، الذي جاهد في الله حق الجهاد، وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد، الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد، فاجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد، يوم يقوم الناس لرب العباد.
\n
أيها المؤمنون:
\n
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي، ومع الحلقة الخامسة بعد المائة، وعنوانها: \”شركة الأبدان\”. نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الثانية والخمسين بعد المائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
\n
يقول رحمه الله: \”شركة الأبدان، وهي أن يشترك اثنان أو أكثر بأبدانهما فقط دون مالهما، أي فيما يكتسبانه بأيديهما، أي بجهدهما. من عمل معين، سواء أكان فكريا أم جسديا. وذلك كالصناع يشتركون على أن يعملوا في صناعاتهم، فما يربحونه فهو بينهم. كالمهندسين، والأطباء، والصيادين، والحمالين، والنجارين، وسائقي السيارات، وأمثالهم. ولا يشترط اتفاق الصنائع بين الشركاء، ولا أن يكونوا جميعا صناعا. فلو اشترك صناع مختلفو الصنائع جاز، لأنهم اشتركوا في مكسب مباح فصح، كما لو اتفقت الصنائع بينهم. ولو اشتركوا في عمل معين، على أن يدير أحدهم الشركة، والآخر يقبض المال، والثالث يعمل بيده، صحت الشركة.
\n
وعلى ذلك يجوز أن يشترك عمال في مصنع، سواء أكانوا كلهم يعرفون الصناعة أم بعضهم يعرف، وبعضهم الآخر لا يعرف، فيشتركون صناعا وعمالا وكتابا وحراسا، يكونون جميعا شركاء في المصنع. إلا أنه يشترط أن يكون العمل الذي اشتركوا بالقيام به بقصد الربح عملا مباحا، أما إذا كان العمل محرما فلا تجوز الشركة فيه.
\n
والربح في شركة الأبدان يكون بحسب ما اتفقوا عليه من مساواة أو تفاضل. لأن العمل يستحق به الربح، ويجوز تفاضل الشركاء في العمل، فجاز تفاضلهم في الربح الحاصل به. ولكل واحد منهم المطالبة بالأجرة كلها ممن استأجرهم، وبثمن البضاعة التي صنعوها ممن يشتريها. وللمستأجر لهم، أو المشتري منهم ما صنعوا من بضاعة، دفع الأجرة جميعها، أو دفع ثمن البضاعة جميعه، إلى أي واحد منهم، وإلى أيهم دفعها برىء. وإن عمل أحد الشركاء دون شركائه فالكسب بينهم؛ لأن العمل مضمون عليهم معا، وبتضامنهم له وجبت الأجرة، فيكون لهم، كما كان الضمان عليهم. وليس لأحدهم أن يوكل عنه غيره شريكا ببدنه، كما أنه ليس لأحدهم أن يستأجر أجيرا عنه شريكا ببدنه؛ لأن العقد وقع على ذاته، فيجب أن يكون هو المباشر للعمل، لأن الشريك بدنه هو، وهو المتعين في الشركة.
\n
\n
ولكن يجوز أن يستأجر أحدهم أجراء، والاستئجار حينئذ يكون من الشركة، وللشركة، ولو باشره واحد من الشركاء، ولا يكون نيابة عنه، ولا وكالة ولا أجيرا عنه. ويكون تصرف كل شريك تصرفا عن الشركة، ويلزم كل واحد منهم ما يتقبله شريكه من أعمال.
\n
وهذه الشركة جائزة لما روى أبو داود والأثرم بإسنادهما عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود قال: «اشتركت أنا وعمار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص، فيما نصيب يوم بدر، فجاء سعد بأسيرين، ولم أجئ أنا وعمار بشيء». وقد أقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك.
\n
وقال أحمد بن حنبل: «أشرك بينهم النبي صلى الله عليه وسلم». فهذا الحديث صريح في اشتراك جماعة من الصحابة في أبدانهم في عمل يقومون به، وهو قتال الأعداء، ويقسمون ما ينالون من غنائم إن ربحوا المعركة. أما ما يقال من أن حكم الغنائم يخالف هذه الشركة، فإنه غير وارد على هذا الحديث؛ لأن حكم الغنائم نزل بعد معركة بدر هذه، فحين حصلت هذه الشركة بأبدانهم، لم يكن حكم الغنائم موجودا. وحكم الغنائم الذي نزل فيما بعد لا ينسخ الشركة التي حصلت، وإنما يبين نصيب الغانمين، ويبقى حكم شركة الأبدان ثابتا بهذا الحديث.
\n
وقبل أن نودعكم أحبتنا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
\n
1. تعريف شركة الأبدان: هي أن يشترك اثنان أو أكثر بأبدانهما فقط دون مالهما، أي فيما يكتسبانه بأيديهما، أي بجهدهما. من عمل معين، سواء أكان فكريا أم جسديا.
\n
2. أمثلة على شركة الأبدان: كأن يشترك الصناع على أن يعملوا في صناعاتهم، فما يربحونه فهو بينهم. كالمهندسين، والأطباء، والصيادين، والحمالين، والنجارين، وسائقي السيارات، وأمثالهم.
\n
3. من أحكام شركة الأبدان:
\n
1) لا يشترط اتفاق الصنائع بين الشركاء، ولا أن يكونوا جميعا صناعا.
2) لو اشترك صناع مختلفو الصنائع جاز. لأنهم اشتركوا في مكسب مباح فصح اشتراكهم.
3) لو اشترك صناع في عمل: أحدهم مدير، وآخر يقبض المال، وثالث يعمل بيده صحت الشركة.
4) يجوز أن يشترك عمال في مصنع، سواء أكانوا كلهم يعرفون الصناعة أم بعضهم.
5) يشترط أن يكون العمل الذي اشتركوا بالقيام به مباحا.
6) إذا كان العمل محرما فلا تجوز الشركة فيه.
7) لكل واحد من العمال المطالبة بالأجرة كلها، وبثمن البضاعة التي صنعوها.
8) للمستأجر دفع الأجرة جميعها وللمشتري دفع ثمن البضاعة جميعه إلى أي واحد من الشركاء.
\n
4. كيفية تعامل الشركاء في شركة الأبدان مع بعضهم بعضا:
\n
1) يقع العقد في شركة الأبدان على ذات الشريك.
2) بدن الشريك هو المتعين في الشركة، فيجب أن يكون هو المباشر للعمل.
3) إن عمل أحد الشركاء دون شركائه فالكسب بينهم.
4) ليس لأحد الشركاء أن يوكل عنه غيره شريكا ببدنه.
5) ليس لأحد الشركاء أن يستأجر أجيرا عنه شريكا ببدنه.
6) يجوز لأحد الشركاء أن يستأجر أجراء، والاستئجار حينئذ يكون من الشركة، وللشركة.
7) لو باشر واحد من الشركاء الاستئجار للشركة لا يكون نيابة، ولا وكالة، ولا أجيرا عنه.
8) يكون تصرف كل شريك تصرفا عن الشركة.
9) ما يتقبله أحد الشركاء من أعمال يلزم كل واحد من الشركاء.
\n
5. توزيع الأرباح في شركة الأبدان:
\n
1) يكون الربح في شركة الأبدان بحسب ما اتفقوا عليه من مساواة أو تفاضل.
2) يجوز تفاضل الشركاء في العمل، فجاز تفاضلهم في الربح الحاصل به.
6. حكم مشروعية شركة الأبدان: شركة الأبدان جائزة، وهذا الحكم ثابت بالسنة للأحاديث التي مر ذكرها.
\n
أيها المؤمنون:
\n
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام، وأن يعز الإسلام بنا، وأن يكرمنا بنصره، وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل، وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
\n
\n