إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 85) السبب الخامس من أسباب التملك الأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل مال أو جهد (ج5) اللقطة (1)
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 85)
السبب الخامس من أسباب التملك الأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل مال أو جهد (ج5)
اللقطة (1)
\n
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.
\n
أيها المؤمنون:
\n
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة الخامسة والثمانين, وعنوانها: \”الأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل مال أو جهد: اللقطة\”. نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الثالثة والعشرين بعد المائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
\n
يقول رحمه الله:
\n
رابعا: اللقطة: إذا وجد شخص لقطة، ينظر، فإن كان يمكن حفظها، وتعريفها، كالذهب، والفضة، والجواهر، والثياب، وكان ذلك في غير الحرم، جاز التقاطه للتملك، لما روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة فقال: \”ما كان منها في طريق الميتاء (أي المسلوكة) أو القرية الجامعة، فعرفها سنة، فإن جاء طالبها فادفعها إليه، وإن لم يأت فهي لك، وما كان في الخراب، يعني ففيها وفي الركاز الخمس\”.
\n
ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: نتناول في هذا البحث الكلام عن اللقطة في مواضع: في بيان مفهومها, وأنواعها, وأحكام أخذها, وما يصنع بها.
\n
أولا: مفهوم اللقطة لغة واصطلاحا:
\n
اللقطة لغة: الأصل اللغوي الثابت لجذر (ل, ق, ط): هو ما يوجد ملقى على الأرض فيلقط، أو الشيء المتروك لا يعرف له مالك. أي هو أخذ الشيء من الأرض، يقال: لقطه يلقطه لقطا: أخذه من الأرض، فهو ملقوط ولقيط. واللقطة (بتسكين القاف): هي اسم الشيء الذي تجده ملقى فتأخذه. والالتقاط: أن يعثر على الشيء من غير قصد وطلب. واللقطة (بفتح القاف) من الأخطاء الشائعة التي ينبغي أن تصحح.
\n
اللقطة شرعا: ردها الفقهاء إلى المعنى اللغوي فقال فيها ابن أحمد الأنصاري الشافعي: \”ما وجد من حق ضائع محترم، لا يعرف الواجد مستحقه. وعرفها محمد الخرشي المالكي: \”اللقطة: مال معصوم عرض للضياع. ونقل عن السادة الحنفية أن اللقطة هي: \”رفع شيء ضائع للحفظ على غير، لا للتمليك. وزاد ابن حجر العسقلاني التعريف على عادته وضوحا، فقال: \”اللقطة: الشيء الذي يلتقط\”، وأضاف: \”وهو أن كل من يراها يميل لأخذها\”.
\n
وعماد التعريف: اللقطة: كل ضائع، له قيمة في ذاته أو عند صاحبه، يألفه شخص واجد له لا يعرف مالكه، سواء أكان هذا الضائع ضالة من البهائم، أم لقيطا من الآدمي، أم معصوما من الأموال، فوجد في موضع مملوك أو غير مملوك، بسقوط أو غفلة ونحوها، لغير حربي، وإن كانت لهذا الأخير، فهي غنيمة تخمس، وليس لقطة. وخرج من التعريف ما وجد في أرض مملوكة؛ فإنه لمالك الأرض إن ادعاه، فإن لم يدعه فحينئذ يكون لقطة. أما ما إذا ألقت الريح ثوبا في حجر أحدهم، أو ألقى في حجره هارب كيسا ولم يعرفه، فهو مال ضائع، يحفظه ولا يتملكه.
\n
ثانيا: بيان أنواع اللقطة:
\n
وفيما يخص أنواعها، يمكن الإجمال أنها أربعة: ما وجد بغير حرز من الأموال. والنقدان: \”الذهب والفضة\” والعروض. هذا ويتصل بموضوع اللقطة ما وجد حيا من الأطفال والأنعام.
\n
فالأول اللقيط: وهو الحي المولود الذي طرحه أهله؛ خوفا من الإملاق، أو فرارا من تهمة الريبة، فواجده غانم؛ لما في إحرازه من إحياء النفس بدفع سبب الهلاك عنها؛ لقوله عز وجل: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا). (المائدة 32) لهذا كان رفعه من باب الوجوب؛ لما في تركه من ترك الترحم على الصغار؛ قال عليه الصلاة والسلام: \”ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم، كمثل الجسد؛ إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى\”. وقد أجمع علماء الأمة قاطبة على أن اللقيط الطفل المفقود أخذه فرض كفاية، ويترتب على قاذفه الحد، وأن حريته ثابتة من حيث الظاهر، وينفق عليه من باب كسب الأجر والطمع في ثواب الله.
\n
أما الثاني فهو الضالة من الأنعام كالإبل والبقر والغنم. أخرج الإمام البخاري من طريق زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عما يلتقطه، فقال: \”عرفها سنة، ثم احفظ عفاصها ووكاءها، فإن جاء أحد يخبرك بها، وإلا فاستنفقها\”. قال: يا رسول الله، فضالة الغنم؟ قال: \”لك، أو لأخيك، أو للذئب\”. قال: ضالة الإبل؟ فتمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: \”ما لك ولها؟! معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر\”. أما ما وجد في الطريق مما هو قابل للأكل، فهو قسمان:
\n
قسم خاص برسول الله، يتركه مخافة أن يكون من الصدقة؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة في الطريق، قال: \”لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة، لأكلتها\”.
\n
وقسم مجزوم بأكله لغير رسول الله، فقد نقل ابن حجر العسقلاني عن ابن أبي شيبة، من طريق ميمونة زوج رسول الله، أنها وجدت تمرة فأكلتها، وقالت: لا يحب الله الفساد؛ تعني: أنها لو تركت، فلم تؤخذ فتؤكل، فسدت.
\n
ثالثا: بيان أحكام أخذ اللقطة:
\n
أخذ اللقطة يدور على أحكام، قد يكون مندوب الأخذ، أو واجب الأخذ, أو مباح الأخذ، أو حرام الأخذ:
\n
أما حالة الندب: فهي أن يخاف الملتقط عليها الضياع لو تركها، فأخذها لصاحبها أفضل من تركها؛ لأنه إحياء لمال المسلم؛ فكان مستحبا.
\n
أما حالة الوجوب: فذهب الإمام السبكي والشافعية إلى أن الخوف على اللقطة من الضياع يوجب الأخذ، وهي بذلك أمانة يجب فيها الامتثال لأمر الله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها). (النساء: 58) وإن لم يخف يستحب الأخذ ولا يجب.
\n
أما حالة الإباحة: فهي ألا يخاف عليها الضياع، فيأخذها لصاحبها، وهذا مذهب السادة الحنفية، وإليه ذهب صاحب \”المبسوط\” بقوله: \”والمذهب عند علمائنا رحمهم الله وعامة الفقهاء: أن رفعها أفضل من تركها؛ لأنه لو تركها لم يأمن أن تصل إليها يد خائنة، فيكتمها عن مالكها.
\n
أما حالة الحرمة: فهو أن يضمها لأجل نفسه، لا لأجل صاحبها بالرد عليه، فقد أخرج الإمام مسلم من طريق زيد بن خالد الجهني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: \”من آوى ضالة، فهو ضال، ما لم يعرفها\”.
\n
وتجدر الإشارة إلى أن لقطة الحرم المكي لا تلتقط أبدا، ولا ينتفع بها؛ لما روي من طريق ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: \”لا تلتقط لقطتها\”. أي مكة إلا لمعرف، وفي رواية: \”لا تحل لقطتها إلا لمنشد\” أي: لا يلتقطها إلا من أراد التعريف بها، فالنهي عن الالتقاط للتملك لا للحفظ. وقال أكثر المالكية: \”هي كغيرها من البلاد، وإنما تختص مكة بالمبالغة في التعريف؛ لأن الحاج يرجع إلى بلده، وقد لا يعود، فاحتاج الملتقط بها إلى المبالغة في التعريف.
\n
أيها المؤمنون:
\n
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, وللحديث بقية, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.