إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 155)
ضمان الإسلام حسن توزيع الثروة بين الأفراد
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة الخامسة والخمسين بعد المائة, وعنوانها: “ضمان الإسلام حسن توزيع الثروة بين الأفراد” نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الحادية والخمسين بعد المائتين من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: “إن ظاهرة سوء توزيع الثروة بين الأفراد، في مختلف دول العالم، من الحقائق الثابتة التي تنطق بها جميع مظاهر الحياة اليومية، في صراحة وفصاحة، لا تدعان كبير مجال للتدليل عليها، وإن ما يعانيه البشر من هذا التفاوت الفاحش في قضاء الحاجات، لا يحتاج إلى إظهار حدة هذا التفاوت وبشاعته.
وقد حاولت الرأسمالية معالجة ذلك فلم تفلح. والاقتصاديون الرأسماليون حين يبحثون نظرية توزيع الدخل، يهملون كل الإهمال سوء توزيع الدخل الشخصي، ويكتفون بعرض الإحصاءات من غير معالجة ولا تعليق. والاشتراكيون لم يجدوا وسيلة لمعالجة سوء التوزيع سوى تحديد الملكية بالكم. والشيوعيون جعلوا المعالجة منع الملكية.
أما الإسلام فقد ضمن حسن التوزيع في تحديد كيفية الملكية، وكيفية التصرف، وفي إعطاء من قصرت به مواهبه ما يضمن له تقاربا مع غيره ممن يعيشون في المجتمع، لإيجاد التقارب في توفير الحاجات بين الناس. وبذلك عالج سوء التوزيع.
إلا أنه مع وجود التقارب في قضاء الحاجات بين الأفراد، قد توجد ثروات كبيرة لدى بعض الأفراد. والإسلام لم يفرض التقارب بين الناس في الملكية، وإنما فرض استغناء كل فرد عن غيره، في حاجاته المعروفة بالنسبة له. “خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى” رواه البخاري.
وهذه الثروات الكبيرة تهيئ لأصحابها فرض الادخار، وتساعد على اكتساب الدخول الكبيرة، فتظل الثروة الكبيرة موجودة حيث يكون المال الكبير؛ لأن المال يجلب المال، وإن كان للجهد أثر في اكتساب الثروة، وتهيئة الفرص لاستغلال الأموال، فلا يوجد منها أي خطر على الاقتصاد، بل على العكس تنمي الثروة الاقتصادية للجماعة، كما تنمي ثروة الفرد، ولكن الخطر إنما يأتي من النقود المكنوزة عند بعض الأفراد، من ذوي الثروات الكبيرة. فيهبط بكنز النقود مستوى الدخل، وتنتشر البطالة، ويصل الناس إلى حالة من الفقر, ولذلك لا بد من معالجة كنز النقود.
وقبل أن نودعكم أحبتنا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
سوء توزيع الثروة من الحقائق الثابتة في النظامين الرأسمالي والشيوعي:
1. ظاهرة سوء توزيع الثروة بين الأفراد، في مختلف دول العالم، من الحقائق الثابتة.
2. ما يعانيه البشر من التفاوت الفاحش في قضاء الحاجات لا يحتاج إلى إظهار حدته وبشاعته.
3. حاولت الرأسمالية معالجة الفاحش في قضاء الحاجات فلم تفلح.
4. الاقتصاديون الرأسماليون يهملون سوء توزيع الدخل الشخصي.
5. الاقتصاديون الرأسماليون يكتفون بعرض الإحصاءات من غير معالجة ولا تعليق.
6. الاشتراكيون لم يجدوا وسيلة لمعالجة سوء التوزيع سوى تحديد الملكية بالكم.
7. الشيوعيون جعلوا المعالجة منع الملكية.
نظام الاقتصاد في الإسلام يضمن حسن توزيع الثروة:
ضمن الإسلام حسن التوزيع في الأمور الثلاثة الآتية:
1. في تحديد كيفية الملكية.
2. في كيفية التصرف.
3. في إعطاء من قصرت به مواهبه ما يضمن له تقاربا مع غيره ممن يعيشون في المجتمع.
نظام الاقتصاد في الإسلام يعالج سوء التوزيع:
1. عمل الإسلام لإيجاد التقارب في توفير الحاجات بين الناس. وبذلك عالج سوء التوزيع.
2. مع وجود التقارب في قضاء الحاجات بين الأفراد، قد توجد ثروات كبيرة لدى بعض الأفراد.
3. لم يفرض الإسلام التقارب بين الناس في الملكية، وإنما فرض استغناء كل فرد عن غيره، في حاجاته المعروفة بالنسبة له.
نظرة الإسلام للثروات الكبيرة:
1. الثروات الكبيرة تهيئ لأصحابها فرض الادخار، وتساعد على اكتساب الدخول الكبيرة.
2. تظل الثروة الكبيرة موجودة حيث يكون المال الكبير؛ لأن المال يجلب المال.
3. إن كان للجهد أثر في اكتساب الثروة، وتهيئة الفرص لاستغلال الأموال، فلا يوجد منها أي خطر على الاقتصاد.
4. الثروات الكبيرة تنمي الثروة الاقتصادية للجماعة، كما تنمي ثروة الفرد.
الخطر يأتي من كنز أصحاب الثروات الكبيرة للنقود:
الخطر إنما يأتي من النقود المكنوزة عند بعض الأفراد من ذوي الثروات الكبيرة ومن نتائجه:
1. بكنز النقود يهبط مستوى الدخل.
2. تنتشر البطالة.
3. يصل الناس إلى حالة من الفقر.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.