نحييكم جميعا أيها الأحبة المستمعون في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جاء في تحفة الأحوذي، في شرح جامع الترمذي “بتصرف” في “باب ومن سورة البقرة”.
حدثنا عبد بن حميد أخبرنا جعفر بن عون أخبرنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يُدْعَى نوحٌ فيقال: هل بلغت؟ فيقول:
نعم، فيُدْعَى قومُه فيقال: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير وما أتانا من أحدٍ فيقال: مَنْ شُهودُك؟ فيقول: محمدٌ وأمتُه قال: فيؤتى بكم تشهدون أنه قد بلغ، فذلك قول الله تعالى: “وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا”، والوسط: العدل.
قوله (يدعى نوح) وفي رواية (يُجاء بنوح يوم القيامة)، فيقال: أي لنوح (فيقول: نعم) وهذا لا ينافي قوله تعالى: يوم يجمع الله الرسل فيقول: ماذا أجبتم، قالوا: لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب، لأن الإجابة غير التبليغ، وهي تحتاج إلى تفصيل لا يحيط بكنهه إلا علمُه سبحانه، بخلاف نفس التبليغ لأنه من العلوم الضرورية البديهية. (ما أتانا من نذير) أي منذر لا هو ولا غيره مبالغة في الإنكار توهما أنه ينفعهم الكذب في ذلك اليوم عن الخلاص من النار، (فيقال) أي لنوح (من شهودك) وإنما طلب الله من نوح شهداء على تبليغه الرسالة أمته وهو أعلم به إقامة للحجة، فيقول : محمد وأمته، والمعنى أن أمته شهداء.
لتكونوا شهداء على الناس: أي على من قبلكم من الكفار أن رسلهم بلغتهم، ويكون الرسولُ أي رسولُكم واللام للعوض أو اللام للعهد والمراد به محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليكم شهيدا أنه بلغكم، والوسط العدل.
إن أمةَ محمدٍ أمةٌ من دون الأمم، وقد أعطاها الله ما لم يعطِ غيرها من المزايا والخصائص، فقد خصها الله تعالى بالخيرية، وقد خصها بأن جعلها لا تجتمع على ضلالة، وهي أولُ الأممِ وأكثرُها دخولا الجنة، وهي كالغيث لا يُدرى الخيرُ في أوله أم في آخره، وقد خصّها الله تعالى من بين الأمم بأنها أقلُّ عملا وأكثرُ أجرا، وهي أول من تحاسب وأول من يجتاز الصراط، وهي آخرُ الأمم، وأولُها دخولا للجنة. وهذا الحديث الذي بين أيدينا يشير إلى ما مُيزت به هذه الأمة الكريمة، وهو الشهادة على الناس.
أيها المسلمون: أمة هذا شأنها عند الله، خير أمة أُخرجت للناس كافة على الإطلاق، أيكون مكانها اليوم في ذيل الأمم؟ أتقبلون لها ما لم يقبلْه الله؟ أترون هذا التناقض العجيب؟ كيف بالله عليكم تطيب لكم حياة وأبناؤها في مشارق الأرض ومغاربها يقتّلون، ونساؤها يُغتصبن وشيوخها تذل؟ كيف تطيب لكم حياة ويهنأ لكم بال وأهلكم في سوريا يُذبحون من الوريد إلى الوريد؟ أتُراكم ألفتم القعود بعد أن طال التصاقكم في الأرض؟ أستحلفكم بالله أن تقوموا وأن تنفضوا أنفسكم وتنتفضوا لتموتوا على ما مات عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فوالله إن ما يحدث لهذه الأمة الكريمة العزيزة لأشد جرما مما حدث لغيرها من الأمم، والله سائلكم عن كل ما يسوؤها وأنتم ساكتون صامتون إن لم تكونوا مشاركين في هذه الجريمة. أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يرفع عن أمة محمد ما نزل بها، وأن يُعيدها إلى مكانتها اللائقة بها، خير أمة أخرجت للناس، فهو ولي ذلك والقادر عليه.
احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.