مع الحديث الشريف – باب في قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جاء في صحيح الإمام مسلم في شرح النووي “بتصرف” في “باب في قوله تعالى ((وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ))
حدثنا قتيبة بن سعيد وزهير بن حرب قالا: حدثنا جرير عن عبد الملك بن عمير عن موسى بن طلحة عن أبي هريرة قال: لما أنزلت هذه الآية ((وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فاجتمعوا فعم وخص فقال: يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبُلَها بِبِلالِها”.
نحن أمام واجب من الواجبات العظيمة التي حددها الإسلام والتي قصّر فيها الكثير منا، واجب إنذار العشيرة ودعوة الأقربين، فقد دعا القرآن الكريم والسنة النبوية لذلك؛ بل كانت دعوة المرسلين جميعهم من قبل، من لدن نوح عليه السلام إلى آخرهم محمد- صلى الله عليه وسلم- فقد ظل نوح يدعو ابنه إلى أن جاءه من الله أنه ليس من أهلك، وكذلك سيدنا إبراهيم حيث أثنى الله عليه بقوله تعالى: ((وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ))
وكذلك موسى عليه السلام، في طلبه من الله تعالى: ((وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي. وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)). وقد امتثل سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم بذلك خير الامتثال، فعندما نزلت هذه الآية ((وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)) وقف-صلى الله عليه وسلم- على الصفا وبدأ ينادي بطون قريش واحدا واحدا، ويحذرهم من النار، وبأنه لن يغني عنهم من الله شيئا، ولم يكن هذا الأمر بالشيء اليسير، فقد غضب القوم من فعله، ولم يرق لهم ما قال وفعل، وعلى رأسهم عمه أبو لهب، فوقف ينفض يديه ويقول: تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله ((تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ))
أيها المسلمون:
يا من التزمتم بالإسلام وأحكامه، ويا من حملتم دعوته للعالم بأسره، لا يغفلنّ أحدكم عن دعوة أهله، أقرب الناس إليه، وأكتفي في هذا المقام بأن أذكركم بموقف سيد الأوس سعد بن معاذ- رضي الله عنه- الذي اهتز لموته عرش الرحمن، فقد وقف أمام قومه قائلا: إن كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله، فما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلماً أو مسلمة، كما جاء في رواية ابن إسحاق. إنها سيرة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، هكذا يعمر الكون بدين الله، ولا خير في كون لا دين فيه، لا معنى لحياة بلا دين وتسليم لرب العالمين خالق الأكوان، فيا من تعيشون دون تطبيق لأحكام الله، كيف تعيشون؟ ألم يأتكم كلام حملة الدعوة طالبين منكم الالتزام بأحكام رب العالمين؟ أم تحبون أن يخاطبكم الله تعالى كما خاطب أبا لهب؟ كلا والله ما أحسبكم تحبون ذلك، فلئن غابت الدولة الإسلامية عن الوجود، وعشتم في زمن الحكم بغير ما أنزل الله، ولئن اعتلى صهوة الحكم في بلاد المسلمين حكام عملاء للغرب الكافر ، فلا يعني هذا أن ندير ظهورنا إلى من ينذرنا، ونفتح قلوبنا إلى أحكام الكفر وأفكاره. فنحن في سفينة واحدة، لا نسمح لبعضنا أن يخرق فيها خرقا، وكل منا على ثغرة من ثغر الإسلام، فلا يؤتين من قبله، نسأل الله العظيم رب العرش العظيم، أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. اللهم آمين.
احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه للإذاعة: أبو مريم