مع الحديث الشريف – الخلافة ليست امبراطورية
نحييكم جميعا أيها الأحبة المستمعون في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
“لو أن فاطمة بنت محمد سرقت”
روى البخاري في صحيحه قال:
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا
روى أحمد في مسنده قال:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ ثُمَّ قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، قَالَ: وَلَا أَدْرِي قَالَ أَوْ أَعْرَاضَكُمْ أَمْ لَا، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ”.
ها هو الإسلام يقول كلمته في شأن بالغ الأهمية في حياة الأمم والشعوب …. وأهمية هذه الكلمة كونها حاجة هامة لرعايا الدولة ….. ورغم أن الكثيرين يدعون الحفاظ عليها غير أنها ليست موجودة سوى في دولة الإسلام ….. إنها العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات لأفراد الرعية ……لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر …. إلا بالتقوى …. فكل أفراد الرعية في الإسلام سواء… والدولة الإسلامية تعامل رعاياها جميعاً بالعدل وفق أحكام الشرع لا وفق مصالحها الخاصة ولا وفق نزوات الحكام ورغباتهم …. فالخليفة مقيد في تعامله مع الرعية بأحكام الشرع الحنيف وها هو حديث اليوم يرشدنا إلى أحد هذه الأحكام الشرعية المميزة عن أي أحكام وضعية عبر التاريخ كيف لا وهي أحكام رب العالمين, أنزلها لإسعاد البشرية وتمكينها من العيش الهانئ الرغيد.
ففي أي دولة غير دولة الإسلام يمكننا أن نسمع الحاكم يقول: لو أن ابنتي سرقت لقطعت يدها
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ومن هو الحاكم الذي يقول: لو أن ناقة عثرت في أرض العراق لخفت أن يسألني الله عنها لم لَم أعبد لها الطريق ….. ثم يتبع قوله هذا بعمل على أرض الواقع ينجيه يوم الدين من مساءلة رب العالمين …. غير خليفة المسلمين
وهل في الكون من جهز الجيوش الجرارة وأعلن النفير لإنقاذ عرض امرأة أو رجل من رعايا دولته كما فعل حكام دولة الإسلام وولاتهم ….بداية بالرسول صلى الله عليه وسلم ثم عمر ثم معاوية ثم المنصور والمعتصم والحجاج. ..والقائمة تطول …..
إن في هذا لأبلغ رد على من يطلقون على الدولة الإسلامية بأنها إمبراطورية إسلامية …. كلا والله ….بل هي خلافة إسلامية ….. وفرق شاسع بين الخلافة والإمبراطورية …. في صلاحيات الحاكم وقوانين الدولة وحقوق الرعايا والأقاليم التابعة لها
ففي حين أن الإسلام يسوي بين المحكومين في جميع أجزاء الدولة وينكر العصبيات الجنسية, ويعطي لغير المسلمين الذين يحملون التابعية حقوق الرعية وواجباتها وفق أحكام الشرع فلهم ما للمسلمين من الإنصاف وعليهم ما على المسلمين من الانتصاف …. بل هو أكثر من ذلك حيث لا يجعل لأي فرد من أفراد الرعية أمام القضاء أياً كان مذهبه من الحقوق ما ليس لغيره …. ولو كان مسلماً ….. فهو بهذه المساواة يختلف عن الإمبراطورية وهو بهذا النظام الفريد لا يجعل الأقاليم مستعمرات ولا مواضع استغلال ولا منابع تصب في المركز العام لفائدته وحده بل يجعل الأقاليم كلها وحدة واحدة مهما تباعدت بينها المسافات وتعددت أجناس أهلها, ويعتبر كل إقليم جزءاً من جسم الدولة ولأهله سائر الحقوق التي لأهل المركز أو لأي إقليم آخر, ويجعل سلطة الحكم ونظامه وتشريعه كلها واحدة في كافة الأقاليم …. ذلك أن سبب فتح البلاد والأقاليم وضمها لدولة الإسلام هو دعوة أهلها للإسلام ورعايتهم بأحكامه … وليس لها غير هذه الغاية… فلا أطماع في خيرات البلاد ولا رغبة في استعباد شعوبها …. وتاريخ الدولة الإسلامية ينطق بذلك.
بينما الإمبراطورية لا تساوي بين الأجناس في الأقاليم التابعة لها لا في الحكم ولا في المال ولا في الاقتصاد . …. بل إن احتلال الإمبراطورية للبلاد الأخرى وضمها لها هو من أجل بسط النفوذ واستغلال البلاد والعباد لمصلحة الدولة المركزية …. فتنهب خيراتها وتستعبد شعوبها وتسخرها لمصالحها الخاصة وتحرم أهلها من التمتع بخيرات بلادهم بل تعيشهم حياة الفقر والعوز والحرمان …. وتذيقهم الذل والهوان.
وإن الدولة الإسلامية في كل عصورها ساوت بين جميع أقاليمها ورعاياها وحين قصرت في أواخر عهدها قصرت في حق الجميع وذلك بسبب الضعف وليس بقصد تفضيل عرق على آخر أو إقليم على غيره من الأقاليم . وإن صورة الدولة الراعية في أذهان النزيهين من غير المسلمين من رعايا دولة الخلافة … الذين ما فتئوا يذكرونها بخير ويقارنون بين حسن رعايتها وسوء رعاية غيرها من الدول التي تشاركهم في العقيدة وتسيء إليهم في الرعاية لتشهد أن نظام الخلافة ليس إمبراطورياً ولا يمت إلى الإمبراطورية بصلة بل هو نظام حكم فريد لم ولن يشهد التاريخ له مثيلا.
اللهم عجل لنا بها يا أرحم الراحمين بقيام دولة الخلافة الراشدة التي يسعد بها المسلمون، بل البشرية جمعاء
احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.