مع الحديث الشريف
“عزل الخليفة”
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قالوا: أفلا نقاتلهم، قال: لا، ما صلوا
روى مسلم في صحيحه قال: حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ قَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: لَا مَا صَلَّوْا”
جاء في كتاب شرح النووي على مسلم:
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سَتَكُونُ أُمَرَاء فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ، قَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلهُمْ؟ قَالَ: لَا. مَا صَلَّوْا)
هَذَا الْحَدِيث فِيهِ مُعْجِزَة ظَاهِرَة بِالْإِخْبَارِ بِالْمُسْتَقْبَلِ، وَوَقَعَ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ) وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْدهَا: (فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ) فَأَمَّا رِوَايَة مَنْ رَوَى (فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ) فَظَاهِرَه، وَمَعْنَاهُ: مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْمُنْكَر فَقَدْ بَرِئَ مِنْ إِثْمه وَعُقُوبَته، وَهَذَا فِي حَقّ مَنْ لَا يَسْتَطِيع إِنْكَاره بِيَدِهِ لَا لِسَانه فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ، وَلْيَبْرَأْ.
وَأَمَّا مَنْ رَوَى (فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ) فَمَعْنَاهُ – وَاَللَّه أَعْلَم – فَمَنْ عَرَفَ الْمُنْكَر وَلَمْ يَشْتَبِه عَلَيْهِ؛ فَقَدْ صَارَتْ لَهُ طَرِيق إِلَى الْبَرَاءَة مِنْ إِثْمه وَعُقُوبَته بِأَنْ يُغَيِّرهُ بِيَدَيْهِ أَوْ بِلِسَانِهِ، فَإِنْ عَجَزَ فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ) مَعْنَاهُ: لَكِنَّ الْإِثْم وَالْعُقُوبَة عَلَى مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ.
وَفِيهِ: دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ إِزَالَة الْمُنْكَر لَا يَأْثَم بِمُجَرَّدِ السُّكُوت. بَلْ إِنَّمَا يَأْثَم بِالرِّضَى بِهِ، أَوْ بِأَلَّا يَكْرَههُ بِقَلْبِهِ أَوْ بِالْمُتَابَعَةِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا قَوْله: (أَفَلَا نُقَاتِلهُمْ؟ قَالَ: لَا، مَا صَلَّوْا) فَفِيهِ مَعْنَى مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجُوز الْخُرُوج عَلَى الْخُلَفَاء بِمُجَرَّدِ الظُّلْم أَوْ الْفِسْق مَا لَمْ يُغَيِّرُوا شَيْئًا مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام.
في هذا الحديث الشريف يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الطاعة للخليفة واجبة في كل ظرف وحين، ما دام يطبق أحكام الشرع، فالصلاة في الحديث هي كناية عن الحكم بالإسلام.
وفيه أن الخليفة إذا لم يحكم بأحكام الشرع، بأن كفر أو فسق فسقاً ظاهراً، فلا طاعة له على المسلمين، بل لا يجوز له شرعاً الاستمرار في الخلافة، ويصبح مستحق العزل. لأنه قد فقد أحد شروط الانعقاد … شرط الإسلام في حال كفره … وشرط العدالة في حال ظهور فسقه.
فشروط الانعقاد السبعة هي شروط استمرارية يجب أن تبقى مع الخليفة ما دام في منصب الخلافة، فإذا فقد أحدها، أصبح مستحق العزل، وعليه فكل تغير يطرأ على حال الخليفة فيفقده أحد شروط الانعقاد يجعله مستحقاً للعزل …. أما صاحب الصلاحية في عزل الخليفة فهي محكمة المظالم.
ودليل ذلك هو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (59)… النساء
إن التنازع بين أولي الأمر والأمة يجب رده إلى الله ورسوله، كما تبين الآية، ورده إلى الله ورسوله يعني رده إلى القضاء، ولما كان التنازع مع أولي الأمر هو مظلمة تجب إزالتها فإن ردها إلى القضاء ليس مطلقاً بل محدداً بمحكمة المظالم.
لأن محكمة المظالم هي التي تحكم بإزالة المظالم، وقاضيها هو صاحب الصلاحية في إثبات المظلمة والحكم فيها، ولأن تغير حال الخليفة بما يفقده أحد شروط الانعقاد هو مظلمة يجب إزالتها، ولإزالتها يجب إثبات حدوثها أولاً، كانت محكمة المظالم هي صاحبة صلاحية إثبات تغير حال الخليفة واستحقاقه للعزل، وكانت هي صاحبة صلاحية عزله.
احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.