Take a fresh look at your lifestyle.

مع الحديث الشريف “ميزانية الدولة”

 

مع الحديث الشريف

“ميزانية الدولة”

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ذكرت شيئاً من تبر فكرهت أن يحبسني

روى البخاري في صحيحه قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ فَقَالَ ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ

جاء في كتاب فتح الباري لابن حجر:

قَوْلُهُ: (فَفَزِعَ النَّاس) أَيْ خَافُوا، وَكَانَتْ تِلْكَ عَادَتهمْ إِذَا رَأَوْا مِنْهُ غَيْر مَا يَعْهَدُونَهُ خَشْيَة أَنْ يَنْزِل فِيهِمْ شَيْء يَسُوءهُمْ.

قَوْلُهُ: (ذَكَرْت شَيْئًا مِنْ تِبْر) فِي رِوَايَة رَوْح عَنْ عُمَر بْن سَعِيد فِي أَوَاخِر الصَّلَاة “ذَكَرْت وَأَنَا فِي الصَّلَاة” وَفِي رِوَايَة أَبِي عَاصِم “تِبْرًا مِنْ الصَّدَقَة” وَالتِّبْر بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُون الْمُوَحَّدَة الذَّهَب الَّذِي لَمْ يُصَفّ وَلَمْ يُضْرَب، قَالَ الْجَوْهَرِيّ: لَا يُقَال إِلَّا لِلذَّهَبِ. وَقَدْ قَالَهُ بَعْضهمْ فِي الْفِضَّة. اِنْتَهَى. وَأَطْلَقَهُ بَعْضهمْ عَلَى جَمِيع جَوَاهِر الْأَرْض قَبْل أَنْ تُصَاغ أَوْ تُضْرَب حَكَاهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ عَنْ الْكِسَائِيّ، وَكَذَا أَشَارَ إِلَيْهِ اِبْن دُرَيْد. وَقِيلَ هُوَ الذَّهَب الْمَكْسُور، حَكَاهُ اِبْن سِيدَهْ.

قَوْلُهُ: (يَحْبِسنِي): أَيْ يَشْغَلنِي التَّفَكُّر فِيهِ عَنْ التَّوَجُّه وَالْإِقْبَال عَلَى اللَّه تَعَالَى. وَفَهِمَ مِنْهُ اِبْن بَطَّال مَعْنَى آخَر فَقَالَ: فِيهِ أَنَّ تَأْخِير الصَّدَقَة تَحْبِس صَاحِبهَا يَوْم الْقِيَامَة.

قَوْلُهُ: (فَأَمَرْت بِقِسْمَتِهِ): فِي رِوَايَة أَبِي عَاصِم “فَقَسَمْته” وَفِي الْحَدِيث أَنَّ الْمُكْث بَعْد الصَّلَاة لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَأَنَّ التَّخَطِّي لِلْحَاجَةِ مُبَاحٌ، وَأَنَّ التَّفَكُّر فِي الصَّلَاة فِي أَمْرٍ لَا يَتَعَلَّق بِالصَّلَاةِ لَا يُفْسِدهَا وَلَا يُنْقِص مِنْ كَمَالِهَا، وَأَنَّ إِنْشَاء الْعَزْم فِي أَثْنَاء الصَّلَاة عَلَى الْأُمُور الْجَائِزَة لَا يَضُرّ، وَفِيهِ إِطْلَاق الْفِعْل عَلَى مَا يَأْمُر بِهِ الْإِنْسَان، وَجَوَاز الِاسْتِنَابَة مَعَ الْقُدْرَة عَلَى الْمُبَاشَرَة. 
ليست مهمة الرسول أو النبي رعاية شؤون الناس عملياً إلا إن كان إلى جانب نبوته حاكماً أي رئيساً للدولة …. وهذا ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم … فقد كان يجمع بين الرسالة …. والحكم …. فهو رسول حين يبلغ عن ربه ….. وحاكم حين يرعى شؤون الناس بما نزل عليه من أحكام ….. وها هو صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يعلم المسلمين عملياً الرعاية الحقة وكيف يكون الحاكم الصالح …. فهم سيخلفونه في حكم دولة الإسلام وعليهم ستقع مسؤولية رعاية مصالح العباد يقول صلى الله عليه وسلم: كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء …..” …. وليس كالدرس العملي تأثيراً في النفوس وتوضيحاً للأمور … وها هو خير المرسلين والخلق أجمعين من غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر …. يخاف أن يحبس عن دخول الجنة إن هو تأخر في توزيع أموال الصدقة على الفقراء والمحتاجين …فإن كان الرسول الكريم يخاف هذا الموقف …. فخلفاؤه من الحكام أولى بالخوف والحذر …. فالدرس القيم هو  أن يسارعوا إلى القيام بالتكاليف الملقاة على عاتقهم دون تأخير ولا تأجيل …. لأن الأجل بيد الله ولا يعلم موعده أحد. وعلى المسلم أن يحرص على لقاء ربه وهو قائم بما عليه من واجبات غير مقصر في أي منها خاصة اتجاه من هو مسؤول عنهم …. يقول صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته 

بهذه المفاهيم أدار الخلفاء الراشدون دولتهم وبها سيدير الخلفاء القادمون الدولة بإذن الله فالخلافة القادمة ستكون على منهاج النبوة كما بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم …. أما عن مسؤوليات دولة الخلافة أي مسؤوليات الخليفة فقد حددها الشرع سواء ما يتعلق منها بحمل الدعوة لغير المسلمين أم ما يتعلق برعاية مصالح المسلمين داخليا وخارجياً … وأما عن أموال الدولة التي بواسطتها سيقوم الخليفة بمسؤولياته تلك فقد حددها الشرع أيضا سواء على صعيد تحصيل الأموال أو إنفاقها …. فليس للدولة في الإسلام أن تعين مسؤولياتها ولا أن تحدد مصادر دخلها أو وجهة إنفاق هذا الدخل ما دام الشرع حدد ذلك بأحكام بينة …. لكن الشرع جعل للخليفة حق إنفاق هذه الأموال في مصارفها الشرعية وفق رأيه واجتهاده

وعليه فلا تحتاج الدولة في الإسلام إلى وضع ميزانية خاصة كل سنة  لتحديد مصادر الدخل وتقدير كمياته… ولا تحديد النفقات وتقدير المبالغ التي تلزم لها كما تفعل الدول الديمقراطية  ….. فمصادر الدخل للدولة الإسلامية هي أحكام شرعية ثابتة لا تتغير ولا تتبدل وأبواب النفقات أحاكم شرعية ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ….. يديرها الخليفة وحده أو من ينيبه عنه …وليس لمجلس الأمة الحق في إقرار أو نقض هذه الأحكام الشرعية أو القرارات التي يصدرها الخليفة.

بهذا تتميز الدولة الإسلامية عن الدول القائمة اليوم التي تتبنى النظام الديمقراطي في الحكم حيث تضع الدول الديمقراطية ميزانية عامة للدولة كل سنة تصدرها في قانون تسميه قانون الميزانية لسنة كذا, ويصدقه البرلمان ويسنه قانوناً بعد مناقشته ومناقشة فصول الميزانية فصلا فصلا, كما يناقش المبالغ التي يتضمنها كل فصل.

ويتألف قانون الميزانية من عدة مواد تبين المبالغ التي تخمن إيرادات الدولة وإيرادات بعض المؤسسات والمبالغ التي ترصد لنفقات الدولة والتي ترصد لمصروفات بعض المؤسسات, وتعطي وزير المالية بعض الصلاحيات … مع بيان تفاصيل كثيرة لا يهمنا منها سوى أنها تخالف الشرع, سواء في تعيينها مصادر دخل الدولة أو أبواب نفقاتها التي تتغير وتتجدد من سنة إلى أخرى أو في إعطائها البرلمان حق إقرار هذه الميزانية أو رفضها وإعطاء وزير المالية صلاحيات توزيع حصص المصروفات للمؤسسات المختلفة … ما يجعلها بعيدة كل البعد عن الرعاية الحقة التي من أجلها أقيمت الدول …. فمن الأولى بتعيين مسؤوليات الدولة وتعيين كيفية قيامها بتلك المسؤوليات ….. البشر أم رب البشر ….. فتفكروا يا أولي الألباب.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.