Take a fresh look at your lifestyle.

هل أحكمت أمريكا قبضتها في الدّاخل حتّى تمدّها للخارج؟

 

هل أحكمت أمريكا قبضتها في الدّاخل حتّى تمدّها للخارج؟

 

 

 

الخبر:

 

حذرت السلطات في مقاطعة هارني في ولاية أوريغون غربي الولايات المتحدة، الناس من الاقتراب من مبنى سلطة حماية الحياة البرية، بينما تقوم الشرطة بمعالجة أزمة احتلال المبنى على أيدي مسلحي ميليشيا يمينية يوم السبت 2016/01/02. ودعت الميليشيا أنصارها والمتعاطفين معها إلى الانضمام إلى اعتصامهم داخل المبنى احتجاجا على أحكام السجن بحق اثنين من الرعاة أدينوا بإحراق أراض فيدرالية. وقد هدّدت الجماعة باستخدام العنف إذا حاولت السلطات إجلاءهم من مبنى “مالهور” التابع لسلطة حماية الحياة البرية، والمخصص لحماية الطيور المهاجرة. وكان دوايت هاموند (73 عاما) ونجله ستيفن (46 عاما) قد أدينا بحرق أراض فيدرالية عام 2012، لكن إحدى المحاكم قالت إن عقوبتهما كانت قصيرة جدا. وأغضبت هذه القضية نشطاء اليمين الذين يشعرون بالاستياء من تدخل الحكومة (بي بي سي – 3 كانون الثاني/يناير 2016).

 

 

التعليق:

 

لم يحظ هذا الحدث في بادئ الأمر بتغطية إعلامية من قبل القنوات التلفزية المحلّية بل كانت شبه منعدمة ولَتواصل التعتيم عليه لو لم تَثُرْ شبكات التواصل ليجتاح هاشتاج “#OregonUnderAttack” (أوريغون تحت الهجوم) موقع تويتر ويتصدّر القائمة. وحسب موقع “I tele” الفرنسي، استنكر مستخدمو الإنترنت ازدواجيّة تناول وسائل الإعلام لمثل هذه الأخبار. يقتحم حوالي 150 شخصاً مسلّحاً مبنى حكومياً في سيناريو لعصيان مدني ويهدّدون السلطات بأنهم ماضون في الدّفاع عن قضيتهم إمّا أن يُقتلوا أو يَقتلوا ويحتلّون ملكية حكومية ولم يتم لليوم استعمال عبارة “متمرّدون” أو “إرهابيّون” فواشنطن بوست دعتهم “محتلّون” واختارت صحيفة ‘نيويورك تايمز’ تعبير “نشطاء مسلّحون” و”ميليشيا”. أما وكالة ‘أسوشيتد برس’ فصاغت الخبر على أنّه “عائلة شاركت سابقا في مواجهة مع الحكومة الاتحادية احتلّت مبنى في محمية وطنية للحياة البرية في ولاية أوريغون وتسأل أعضاء الميليشيا الانضمام لها”.

 

دعونا نطّلع في جولة قصيرة على البند 2384 من الباب 18 من مدونة قوانين الولايات المتحدة – التآمر لإحداث فتنة (Seditious conspiracy) – الذي يحظر كلّ شخصين أو أكثر من شخص في أي ولاية أو إقليم، أو في أي مكان خاضع للولاية القضائية للولايات المتحدة التآمر: لقلب، الإطاحة أو التدمير بالقوة للحكومة الأمريكية، أو لشن حرب ضدها، أو لمعارضة سلطاتها عن طريق القوة، أو لاستخدام القوة لمنع وعرقلة أو تأخير تنفيذ أي قانون للولايات المتحدة، أو الاستيلاء، واتخاذ، أو امتلاك أي ممتلكات تابعة للولايات المتحدة تتعارض والسلطة المختصة عن طريق القوة، وبموجب هذا الباب يدفع كل من يرتكب ذلك غرامة أو يُسجن لفترة لا تتعدى عشرين عاما، أو كليهما.

 

أمامنا هذا الفعل الذي هو استيلاء مسلّح على مبنى حكومي تُقدّمه وسائل الإعلام على أنّه احتلال عقب تظاهرة سلمية والذي ومنذ يوم السبت ما زال التحقيق فيه جاريا وما زال مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي “إف بي آي” يواصل مساعيه لمحاولة إيجاد حلّ سلمي ينهي احتلال هؤلاء ‘الوطنيين’ المسلحين للمبنى الفيدرالي. وأمامنا أحداث لا تحصى لتظاهرات سلمية فرّقتها في لمح البصر هراوات الشرطة والغازات المسيلة للدّموع والرصاص الحي بل أشخاص عزّل سود أرْدَتهم الشرطة قتلى بلا سبب كأحداث فيرغسون وبالتيمور وحادثة الطفل الأمريكي الأسود (12 عاما) الذي قتلته الشرطة لحيازته “مسدّس لعبة”…

 

رأيناك يا أوباما بالأمس تبكي لارتفاع عمليات إطلاق النار في الولايات المتحدة وأعلنتَ إجراءات جديدة تقنّن مراقبة السلاح من دون الحصول حتّى على موافقة الكونجرس فهل لهذه الدّرجة انفلتت منك الأمور وبات خطر السّلاح يحدق بك من كل جانب ويشكّل تهديدا للبلاد أكثر بحيث ما عاد يعنيك الـ 150 شخصاً مسلّحاً؟

 

أمريكا التي تدخّلت في دول العالم كلّها بحجّة إرساء الأمن والسلام والديمقراطية عجزت إلى الآن عن إجلاء المبنى وما زالت تتفاوض! ولكن لو فكّر مسلم في عمل مماثل لطار رأسه قبل أن ينفّذ!!

 

يقول الكاتب الفرنسي “فرانسوا رينيه دو شاتوبريان” في مذكراته ما وراء القبر “لدينا وزنان ومقياسان: نعتمد في فكرة نظاما ومصلحة وشخصا ونلوم في فكرة أخرى نظاما ومصلحة وشخصا”. هذا هو بالضبط ما تعتمده أمريكا في سياستها؛ تصنع الإرهاب متى تريد في الظرف الذي تُريد وتقحم في ذلك من تريد وتغضّ الطرف بنفس العين متى تريد وعمّن تريد.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

م. درة البكوش

 

 

2016_01_08_TLK_4_OK.pdf