عففتَ فعفّوا ولو رتعتَ لرتعوا
الخبر:
ورد في صحيفة الجريدة السودانية الصادرة في السادس من كانون الثاني / يناير 2016م خبر عن تقرير المراجع العام لولاية الخرطوم للعام 2013- 2014م، يحمل الكثير من المخالفات والاعتداء على المال العام، تمت من قبل موظفين ومحاسبين، فيما كشف التقرير عن تبديد وزير الصحة بالخرطوم، مأمون حميدة، للمال العام، من خلال تجاوز نثريته للمبلغ المصدق به للوزير، والبالغ 10 آلاف جنيه شهرياً، ولم تخرج وزارة المالية عن دائرة المخالفات، حيث قال التقرير إن وزارة المالية أهدرت المال العام من خلال تعاقداتها مع شركات فاسدة أعاقت بسببها التنمية في الولاية، ودفعت الولاية غرامات للشركات نتيجة للإخلال بالعقود، فيما رصد التقرير مخالفات لمعظم الوزارات والمجلس التشريعي والحكم المحلي بصرف أموال دون وجه حق.
التعليق:
إذا أضفنا إلى هذا التقرير ما صدر عن المراجع العام للمركز، فإننا سنخلص إلى قناعة مفادها أن جميع أوجه الحياة قد شابها إهدار للمال العام، والسودان هذا ليس إلا أنموذجاً للتعامل مع المال العام، ففي كل البلاد الإسلامية حدّث ولا حرج، وإن اختلفت الأساليب والوسائل، واختلفت أشكالهم وسحناتهم وأماكنهم، ولكن تشابهت أفعالهم، بل تطابقت، وكل ذلك لاستشراء مفهوم النفعية في أذهان الأمة وتركزه بين القادة والسياسيين، فصارت المصلحة والمنفعة الشخصية هي المقياس، فاستبيح المال العام.
حينما كان مفهوم الحلال والحرام هو السائد بين أبناء الأمة، والعفة والتقوى هي السمة البارزة عند القادة والسياسيين، كانت المحاسبة (محاسبة الأمة لحكامها)، وكان الحاكم يستجيب لهذه المحاسبة، فهي الحارس الأمين للمال العام، فها هو سلمان الفارسي يحاسب أمير المؤمنين عمر الفاروق على قطعة قماش، وعمر يسمع ويجيب. وكذلك محاسبة الحاكم لولاته وعماله، إذ نرى كيف حاسب الرسول r ابن اللتبية حين قال عليه الصلاة والسلام: «فَهَلا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقاً»، وكيف حاسب عمر الفاروق رضي الله عنه معاوية بن أبي سفيان، ولم تشفع له مكانته حتى كاد أن يأخذ إحدى نعليه؟ ثم ألا ترون كيف حاسب ابنيه لما تاجرا بأموال الدولة فأخذ منهما نصف الربح؟!
وكذلك حينما ساد مبدأ الإسلام العظيم وتركزت مفاهيمه في أرجاء المعمورة، رأينا العفة في المال العام، تلك العفة التي تمثلت في سيدنا عمر بن عبد العزيز حينما جاءه شخص لحاجة فسأله (أحاجة عامة أترك السراج الذي يضيء بزيت من مال المسلمين). نعم غابت عنا هذه الحياة فرتع القوم في المال العام، وكل ذلك بفساد رأس النظام، فإن عفّ فقد عف مَن حوله، فالمقولة الرائعة التي تنسب لسيدنا علي بن أبي طالب لعمر بن الخطاب تجسد لنا الأمر خير تجسيد (عففتَ فعفّوا، ولو رتعتَ لرتعوا).
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس/ حسب الله النور