صِغار الأمور عِظام في عيون الصغار
الخبر:
عقد مجلس جامعة الدول العربية اجتماعًا يوم الأحد، بناء على طلب السعودية؛ لبحث الاعتداء الإيراني على حرمة السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران ومشهد. وكان الاجتماع على مستوى وزراء الخارجية، وركّز على إدانة الاعتداء على سفارة السعودية، وبحث التدخلات الإيرانية في الشئون العربية. وكانت الجامعة العربية قد أدانت الاعتداء الذي تعرضت له السفارة السعودية في إيران، معتبرة إياه انتهاكًا صارخًا للمواثيق والأعراف الدولية. وشدّد الأمين العام للجامعة العربية (نبيل العربي) على ضرورة احترام إيران لمبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية، حيث من حق الدول الحفاظ على أمن رعاياها والسلم الأهلي ووحدة نسيجها الاجتماعي.
التعليق:
أقدم مؤخرًا النظام السعودي على إعدام 47 متهمًا بتهمة العصر “الإرهاب”، بعد أن أجاز له الفقهاء والمفتون تنفيذ حكم الإعدام فيهم. بعدها خرج النظام الإيراني محتجًا على قتل أحدهم – وليس كلهم – وهو شيعي المذهب، وكان احتجاجه شديد اللهجة، وكذلك الشعب الإيراني خرج محتجًا وأفرغ غضبه على السفارة السعودية وقنصليتها في إيران. وهنا يجب الوقوف على حيثيات الأمر وتبعاته، فتوقيته ومكانه وعدد القتلى فيه نظر ويعني شيئًا معينًا، فالنظام السعودي عبد عند أسياده، يتصرف حسب أوامرهم، والتوقيت يجب أن يخدمهم. والمثير للريبة هو أن العدد كبير، بينهم رجلٌ شيعي واحد.
هناك أيضًا أمور أخرى يجب الوقوف عليها، وهي ما تبع هذا الفعل الذي نفّذه النظام السعودي على الضعفاء، وهو ليس بالأمر الجديد، لكنه أثار حفيظة النظام الإيراني، ليس لدين أو إنسانية، بل لمذهب وتبعية، ترسيخًا للفتنة الطائفية، وهو رد فعل شيطاني بامتياز.
ثم كان رد فعل النظام السعودي على مهاجمة الشعب الإيراني لسفارتها في طهران، فكان ما كان من طرد السفير الإيراني في الحجاز، وكان رد فعل الدول العربية ومعها تركيا بالرد كذلك، وقامت بالدعوة إلى اجتماع مجلس الأمن لإدانة إيران. ولم يكتفِ النظام السعودي بهذا، بل جمع ما تُسمى دول الاتحاد الخليجي، للاستنكار والشجب، وتم عقد اجتماع طارئ لوزراء الدول العربية في وكر الجامعة العربية، ليس لإعلان حرب أو رفع ظلم أو حتى إنكار منكر، بل للشجب والاستنكار كالعادة، ولكنه المرة بأشد العبارات. وعلى هذا نقول عجيب أمركم أيها الحكام الرويبضات، تجتمعون لأمر تافه لا قيمة له “الشجب”، وتشتاطون غضبًا لذلك، ولا نراكم تحركون ساكنًا لعظيم الأمور!
تدينون التدخل في الدول التي تحكمونها، وأنتم تتدخلون في البلاد شرقها وغربها. لقد قمتم بطائراتكم بقصف العباد في ليبيا ضمن تحالف بغيض بذريعة دعم الآخرين في التحرر من الظلام والعبودية، وأنتم تنتهكون كل غالٍ ونفيس. وقامت طائراتكم بقصف بلاد الشام ضمن تحالف صليبي كافر، بأمر من أسيادكم في الغرب، وكذلك لضرب اليمن وتدميرها على رؤوس سكانها.
تجتمعون وتنشط الدبلوماسية الخارجية لأمر صغير مثلكم، وتنسون عِظام الأمور. فأهلنا في الشام يموتون من الجوع والعطش موتًا بطيئًا، وأهلنا في فلسطين يقتلون بدمٍ بارد، ولا حراك لنجدتهم، أم أن أسيادكم لم يأمروكم بعد بذلك؟ أتظنون أنكم سياسيون، ومن تسوسونهم أمثالكم لا يعون ولا يفقهون؟ خاب فألكم، فأصغر من تحكمون أوعى من أكبركم، وأثقل عند الله منكم، فالأمة تعي أنكم رويبضات إمعات لستم من هذه الأمة الكريمة في شيء، ولا تمثلونها، بل تمثلون الاستعمار والسيف المصلت على رقابهم.
اجتمعوا، أو لا تجتمعوا، فأنتم كمن تبيعون الماء في سوق الماء، لن تنطلي هذه الحركات على الناس، ولن تغير شيئًا. وما يفعله النظام السعودي، والنظام الإيراني، هو بأمر من أسيادهما لأجندة رخيصة ضحيتها أبناء أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وهذه المسرحيات التي تقومون بها ستفضحكم وتعريكم أكثر مما أنتم مكشوفون، فلم يعد هناك شيء يخفى على الأمة، ولم يبقَ عندكم أي نوع من الحياء، فها أنتم تجتمعون “لشجب” التدخل، وتنسون القتلى والمشردين والجياع والمعذبين والأسرى. ألا ساء ما تصنعون، وسحقًا لكم يا رويبضات هذا الزمان، ممن تسمون أنفسكم حكامًا. إن هذه الأمة لها رجال أبطال سيوقفونكم عند حدكم، وينزلونكم منزلتكم التي تستحقونها، وكذلك سيفعلون بأسيادهم، وسيلقنونهم دروسًا في السياسة والأخلاق، وإن هذا الأمر ليس بالبعيد، وإن الأمور تتقلب، والعاقبة لنا أمة الإسلام بإذن الله.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. ماهر صالح – أمريكا