ما لله لله، وما لقيصر إلى هاوية سحيقة!
نرى زيادة في الانحراف حتى طفح الكيل؛ أعمال مريبة، وممارسات شاذة فاقت الخيال، مثيرة للاشمئزاز، لا يقبلها ولا يرضاها الإنسان الكريم ذو العقل والفطرة السليمة. ففي السنوات الأخيرة خلعت المفاهيم الغربية لباسها “اللطيف البراق”، وكشفت عن وجهها الحقيقي، وجه الكذب والخداع، فتحول مفهوم الديمقراطية والحريات إلى مفهوم التجسس والتحسس والتخويف والتعذيب، وتحولت حرية العقيدة إلى إلغاء تام لخيار التدين، ومن يريد أن يمارس حرية العقيدة لا يستطيع ذلك، بحجة أن التدين تطرف وإرهاب. في الواقع؛ أصبح الغرب العلماني يهاجم الأديان، إلى حد القتل في حالة المسلمين، وذلك ليس بمستغرب فالعقيدة العلمانية للمبدأ الرأسمالي تنص على ضمان الحريات المطلقة للإنسان وقياس الأعمال بمقياس المصلحة المادية فقط، فإن تضاربت المصالح والشهوات مع القيم والتدين، يختار المبدأ العلماني إسقاط القيم الإنسانية، لأنه لا يعترف بها، ولا يعترف بشرع الله تعالى، ولأنه يُقدس الأنانية وحب الذات، ويقدس شهوات الإنسان، ذلك التناقض بين التشدق بـ”ضمان الحريات” وبين إلغاء هذه “الحريات”، كما يشاؤون، بحسب أمزجتهم الساقطة، وبحسب المصالح السياسية والاقتصادية والربح المادي الضخم؛ تلك الازدواجية في المعايير هي الفشل بعينه! فعن أي ديمقراطية يتحدثون؟!
أما مفهوم المساواة المطلقة بين الجنسين في الفكر العلماني فقد أصبح لا يعني بالضرورة ضمان الحقوق المتساوية للأنثى والذكر فقط، بل تجاوز ذلك إلى ما بعد “المساواة”، إلى تقنين الدعارة والشذوذ، وأطلقوا على العالم قاذوراتهم الفكرية المريضة المتمثلة في حقوق الشواذ، هذا نوع من المساواة، فللمرأة أن تختار أن تمارس الفاحشة مع من تريد، والرجل كذلك أيضاً، وانتشرت هذه “الزيجات”، بين رجل ورجل، وبين امرأة وامرأة، وفي الطرق؛ رجل وامرأتان، وامرأة ورجلان، فليس هناك حدود لهذه الأفكار المقرفة، وأمريكا راعية الفساد والإفساد، قائدة هذا الانحدار، قننت وباركت هذا الشذوذ الرأسمالي العلماني، فالمساواة مصطلح يخفي وراءه وجهاً أقبح مما نعرف!
بالتالي لا يوجد مجرد “مساواة” عند الغربيين، ولا حريات، ولا ديمقراطية، ولا تحسين مجتمعات، بل الذي عندهم هي سياسات متغيرة بحسب المصالح، وبحسب حاجتهم لبسط نفوذهم في العالم وفرض سيطرتهم على بلاد المسلمين، لاستعباد الشعوب وإفساد الناس، وتلك هي الحرب الشرسة الثقافية والإعلامية والسياسية على البشرية، والأدق إنها الحرب على الإسلام والمسلمين؛ الحرب الأزلية بين الحق وبين الباطل.
لذلك يجب أن لا ننظر نحن المسلمين إلى مسألة الديمقراطية والحريات التي يدعو لها زبانية العهر الغربي في بلادنا إلا في إطار أوسع. ذلك الإطار الذي أقصده، هو ما آلت إليه حال المجتمع الغربي في جحيم عقيدة الكفر، عقيدة (لا إله إلا الإنسان!)، عقيدة الفواحش وانتهاك الحرمات، عقيدة شيطانية ينبثق عنها أنظمة نتنة تحميها وتروج لها وتطبقها في معترك الحياة، فساوت بين الإنسان وبين الوحوش، ولم يشفع لهؤلاء “نهضتهم العلمية”، فالنهضة الصحيحة لبني البشر هي نهضة فكرية، نهضة راقية كريمة تليق بالإنسان، الذي خلقه الله تعالى ليعبده ويطيعه ويحتكم إلى شرعه في حياته، حتى يعيش سعيداً، ويقدم لمماته، فيُخلد بطاعته في الجنة، تلك المفاهيم الراقية التي تجعل العلاقات بين الناس علاقات “نظيفة” وواضحة، غير متناقضة، وتشمل كل أصعدة المجتمع، فرعاية الشؤون وأداء الحقوق والواجبات هو المطلوب وهو الذي ينجح في ضمان حقوق الإنسان، ذكراً كان أم أنثى، كبيراً أم صغيراً، فقيراً أم غنياً، وأين سنجد هذه العقيدة وهذه الأحكام التي تعالج وتقوِّم وتحاسب وتعاقب العاصي والفاسق والفاجر والشاذ والمرتد، لن نجدها إلا في المبدأ الإسلامي، الذي أساسه عقيدة عقلية راسخة، عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله، عقيدة سوية توافق الفطرة البشرية، ينبثق عنها أنظمة المجتمع العديدة، وقوانينها ربانية ثابتة، ولا تتغير بحسب آراء البشر، بل جميع البشر ينصاعون لأوامر رب العالمين ونواهيه، هذا المبدأ يعالج ويحل وينظم وينشر أحكام الله الشرعية العادلة السمحة في دولة إسلامية، دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، الغائبة الحاضرة، التي تهفو إليها قلوب المسلمين، وعليهم أن يعملوا لإقامتها في ثوراتهم، لطرد النفوذ الغربي الشيطاني الكافر من بلادهم، ورد بضاعتهم الفاسدة إليهم؛ فما لله لله وما لقيصر إلى هاوية سحيقة!
إن المبدأ الرأسمالي قد انكشف عواره والحمد لله، وخير دليل على ذلك أننا نشهد دخول الغربيين أنفسهم إلى الإسلام بالآلاف يومياً، فكيف إذا كانت لنا دولة تنشر الإسلام في ربوع العالم؟ هذه الدولة التي يحتاج إليها الغرب الكافر لإنقاذه من وحل الكفر والعربدة والأكاذيب.
أما لهفة الشباب والفتيات في إشعال الثورات لإسقاط الأنظمة العلمانية التي لا تحكم بما أنزل الله، وشوقهم للذهاب إلى الجهاد بأعدادٍ كبيرة، فهو يعكس لهفة المسلمين واحتياجهم للتغيير، وذلك التغيير هو عودة الإسلام وصعوده من جديد، وهي مسألة وقت ليس إلا.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة محمد حمدي – ولاية السودان