بسم الله الرحمن الرحيم
تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
إعداد الأستاذ محمد احمد النادي
الحلقة الرابعة عشرة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق:
قلنا في الحلقة الماضية: إن الحب في الله يعني أن تحب العبد لله، أي بسبب إيمانه وطاعته، وفي هذه الحلقة نقول: إن أفضل الصاحبين المتحابين هو أشدهما حبا لصاحبه، لما رواه ابن عبد البر في التمهيد، والحاكم في المستدرك، وابن حبان في صحيحه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما تحاب رجلان في الله قط، إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه”.
ويسن للمسلم أيضا أن يدعو لأخيه بظهر الغيب، لما رواه مسلم عن أم الدرداء، قالت: حدثني سيدي، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من دعا لأخيه بظهر الغيب، قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل” أي بمثل ما دعوت له به، وسيدها هو أبو الدرداء وهي تعني زوجها احتراما له.
وروى مسلم عن صفوان – وهو ابن عبد الله بن صفوان – وكانت تحته الدرداء قال قدمت الشام فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده ووجدت أم الدرداء فقالت أتريد الحج العام فقلت نعم. قالت فادع الله لنا بخير فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول “دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل”. قال: فخرجت إلى السوق، فلقيت أبا الدرداء، فقال لي مثل ذلك.
كما يسن أن يطلب من أخيه الدعاء له، لما رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح، عن عمر بن الخطاب قال: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة، فأذن لي وقال: “لا تنسنا يا أخي من دعائك” فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا. وفي رواية قال: “أشركنا يا أخي في دعائك”.
ومن السنة أن يزوره ويجالسه ويواصله ويباذله في الله بعد أن يحبه. روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أنى أحببته في الله عز وجل. قال فإني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه”.
وأخرج أحمد بإسناد حسن والحاكم، وصححه عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم يرفعه إلى الرب عز وجل قال: “حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتباذلين في، وحقت محبتي للمتواصلين في”.
وأخرج مالك في الموطأ بإسناد صحيح عن معاذ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في”.
وأخرج البخاري عن عائشة قالت: “لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية…”.
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم عظم أجر المؤمن الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويحرص على جلب الخير له في دنياه وآخرته ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ففي حديث أنس المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”.
وفي حديث عبد الله بن عمرو، عند ابن خزيمة في صحيحه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك، وقال صحيح على شرط الشيخين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره”.
ومن هذا الباب أن يكون في حاجة أخيه وسعه، وأن يفرج عنه كربه جهده، ففي حديث ابن عمر المتفق عليه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة”، وبإسناد حسن رجاله ثقات أخرج الطبراني من حديث زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يزال الله في حاجة العبد ما دام في حاجة أخيه”.
ويندب للمسلم أن يلقى أخاه بما يحب ليسره بذلك، لما رواه الطبراني في الصغير بإسناد حسن من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لقي أخاه المسلم بما يحب ليسره بذلك، سره الله عز وجل يوم القيامة”. كما يندب له أن يلقى أخاه بوجه طلق، لما رواه مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق”. ولما رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك”.
أيها المسلمون:
بعد أن سمعتم ما سمعتم، وعرفتم ما عرفتم، ورأيتم ما رأيتم، من حب الصحابة لله تبارك وتعالى ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحب الصحابة بعضهم بعضا في الله جل في علاه، فهلا كنا مثلهم في حبنا لله ولرسوله وللمؤمنين؛ ليكون الله معنا كما كان معهم، وليكرمنا بنصره كما أكرمهم، ولنكون يوم القيامة معهم في صحبة سيد المرسلين، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا؟!
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، على أن نكمل تأملاتنا في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه. نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.