بسم الله الرحمن الرحيم
تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة الرابعة والثلاثون
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق:
عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: “الإخلاص في الطاعة لله عز وجل” قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}. (البينة5) فالإخلاص لله تعالى في الطاعة والعبادة هو ترك الرياء، وهو من أعمال القلوب لا يعلمه إلا العبد وخالقه، وربما خفي واختلط أمره على العبد، حتى يدقق ويحاسب نفسه ويعاود التفكير ويسأل لماذا قام بالطاعة؟ أو لماذا هو متلبس بها؟ فإن وجد أنه إنما يقوم بها لله وحده فقد أخلص؛ وإن وجد أنه يقوم بها لغرض آخر فقد راءى، ومثل هذه النفسية تحتاج إلى علاج، ربما طالت مدته، فإذا وصل العبد إلى مرتبة يحب فيها كتمان حسناته كانت علامة على الإخلاص. قال القرطبي: “سئل الحسن عن الإخلاص والرياء فقال: من الإخلاص أن تحب أن تكتم حسناتك، ولا تحب أن تكتم سيئاتك”. قال أبو يوسف في كتاب الخراج: حدثني مسعر عن سعد بن إبراهيم قال: “مروا على رجل يوم القادسية وقد قطعت يداه ورجلاه، وهو يفحص، وهو يتلو قوله تعالى: {مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}. (النساء 69) فقال له رجل: من أنت يا عبد الله؟ قال: امرؤ من الأنصار ولم يذكر اسمه.
والإخلاص واجب، والأدلة على هذا متضافرة من الكتاب والسنة: قال تعالى في سورة الزمر: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين}. (الزمر2) وقال تعالى: {ألا لله الدين الخالص}. (الزمر3)وقال تعالى: {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين}. (الزمر11) وقال تعالى: {قل الله أعبد مخلصا له ديني}. (الزمر14) ومن المعلوم أن خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته.
أما الأدلة من السنة فمنها حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عند الترمذي والشافعي في الرسالة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاثة لا يغل عليهن قلب المؤمن: إخلاص العمل لله، والنصيحة لولاة الأمر، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم”.
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه عند أحمد وقال في المختارة إسناده حسن. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، ومن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة نصيب”.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عند ابن ماجة والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده، وعبادته لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فارقها والله عنه راض”.
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عند النسائي وأبي داود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له فأعادها ثلاث مرات يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له، ثم قال: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغي به وجهه. قال المنذري: إسناده جيد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي