نصائح للآباء والأبناء- حقوق الأبناء
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
يتجدد اللقاء معكم في موضوع ، نصائح للآباء والأبناء
فحياكم الله معنا ، وجزاكم الله كل خير
لكل حقوق وواجبات، فالوالدان حقوق من أبنائهم عليهم وكذلك عليهم واجبات اتجاه أبنائهم، وكذلك الأبناء فكما قرن الله سبحانه وتعالى عبادته برضا الوالدين كذلك أمر الآباء بحسن معاملة الأبناء والإحسان إليهم والحرص على تربيتهم واعتبر إهمالهم والتقصير في حقوقهم- غشا وخيانة.
ولقد تظاهرت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة- آمرة بالإحسان إلى الأولاد وأداء الأمانة إليهم، محذرة من إهمالهم والتقصير في حقوقهم. قال سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}، وقال صلى الله عليه وسلم:” كلكم راع مسؤول عن رعيته؟ فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته”.
فبالرغم من عظم مسؤولية تربية الأولاد إلا أن كثيرا من الناس قد فرط بها، واستهان بأمرها، ولم يرعها حق رعايتها، فأضاعوا أولادهم، وأهملوا تربيتهم، فلا يسألون عنهم، ولا يوجهونهم. وإذا رأوا منهم تمردا أو انحرافا بدأوا يتذمرون ويشكون من ذلك، وما علموا أنهم هم السبب الأول في ذلك التمرد والانحراف كما قيل :
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
والتقصير في تربية الأولاد يأخذ صورا شتى، ومظاهر عديدة تتسبب في انحراف الأولاد وتمردهم، فمن ذلك تنشئة الأولاد على الجبن والخوف والهلع والفزع: فمما يلاحظ على أسلوبنا في التربية- تخويف الأولاد حين يبكون ليسكتوا؛ فنخوفهم بالغول، والبعبع، والحرامي، والعفريت، وصوت الريح، وغير ذلك
فالخوف سلاح ذو حدين، فهو ضعف وتخاذل وانهزام إن كان في غير موضعه، وهو حذر وجسارة وشجاعة وإقدام إن كان في موضعه وفي وقته، فهو في الأول انتظار من غير عمل، وفي الثاني عمل من دون انتظار. لذا يجب تشجيعه على التعبير عن الانفعالات كالسعادة والمرح والخوف والغضب. وأن تساعده على استخدام كلمات مناسبة للتعبير عن مشاعره. فلم لا نتبع طريقة السيدة صفية بنت عبد المطلب في تربيتها للزبير بن العوام-رضوان الله عليهم- حيث دأبت على قذفه في كل مخوفة فإذا أحجم ضربته حتى إنها عوتبت من بعض أعمامه فقالوا لها: “إنك تضربينه ضرب مبغضة لا ضرب أم” فبينت لهم أنها لا تبغضه بل تعده لعظائم الأمور ولهزيمة الأعداء، أما الخوف الذي يجب زرعه في نفوس أبنائنا فهو الخوف من الله عز وجل بل ومراقبة الله في أفعالهم وتصرفاتهم منه وطاعته والبعد عن نواهيه.
قال الله تعالى: ( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ) [آل عمران: 175]،
وقال: ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) [الرحمن: 46].
قال أبو حفص عمر بن مسلمة الحداد النيسابوري: الخوف سراج في القلب، به يبصر ما فيه من الخير والشر، وكل أحد إذا خفته هربت منه، إلا الله – عز وجل – فإنك إذا خفته هربت إليه.
وقال أبو سليمان: ما فارق الخوف قلبا إلا خرب. وقال إبراهيم بن سفيان: إذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها، وطرد الدنيا عنها. وقال ذو النون: الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف؛ فإذا زال الخوف ضلوا الطريق. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الخوف المحمود ما حجزك عن محارم الله. وقال ابن القيم – رحمه الله -: ” القلب في سيره إلى الله – عز وجل – بمنزلة الطائر؛ فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه؛ فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيـد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر.
هذا هو الخوف المحمود الذي يجب أن نغرسه في أبنائنا الخوف من الله لا أن نخيفهم من الحرامي أو أبو كيس أو البعبع أو ….. فينشئ أبناءنا هلعين خائفين من خيالهم أو من أي صوت يصدر من حولهم يحيون حياتهم فزعين جبناء ليس فيهم روح الإقدام معدومي الشجاعة والترؤس والقيادة فأين نحن من قادة الأمة الذين قادوها وهم بعمر الورد فهذا أسامة بن زيد رضي الله عنه يعقد له النبي صلى الله عليه وسلم لواء ويقود جيشا يضم أبا بكر وعمر رضوان الله عليهم أجمعين، كيف لنا أن نصنع قادة للأمة ونعيد عز الدولة الإسلامية ونحن نزرع في قلوب أبنائنا الخوف من كل شيء فينشئوا جبناء لا خير فيهم . هذا ناهيك عن تعويدهم الميوعة وعدم تحمل المسؤولية، ألا ترى معي أخي الأب وأختي الأم أن أبناءنا هم قادة الغد فيجب أن يكونوا قادة وليس مقودين يتركون ما يجب عليهم من الجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بغير عذر إلا لخوفهم من الناس!!
أبنائي الأعزاء
إن الميوعة والفوضى والترف الذي يعيشه الكثير منكم اليوم مما عودكم الاهتمام بخاصة أنفسكم وعدم الاهتمام بالعامة فلا تشاطرون الناس لا بأفراحهم ولا حتى أتراحهم وهذا يؤدي إلى إفساد في الفطرة وقتل للاستقامة وقضاء على المروءة والشجاعة، ألا تثير فيكم قصص الأبطال الصغار العزة والكرامة والحنين لما كانوا عليه فلتكن بني كأسامة بن زيد قائد الجيش الذي ضم أبا بكر وعمر رغم صغر سنه أو كسالم بن عبد الله بن عمر وما فعله مع الحجاج فقد كان كجده الفاروق في الإعراض عن الدنيا والزهادة بعرضها الفاني، وأشبهه أيضا في الجهر بكلمة الحق مهما كانت ثقيلة الوطأة شديدة التبعات …
من ذلك أنه دخل على الحجاج ذات مرة في حاجة من حوائج المسلمين،فرحب به الحجاج وأدنى مجلسه وبالغ في إكرامه …
وفيما هما كذلك؛ إذ أتي الحجاج بطائفة من الرجال؛ شعث الشعور، غبر الأجسام، صفر الوجوه، مقرنين في الأصفاد[مقيدين في الحديد]. فالتفت الحجاج إلى سالم وقال: هؤلاء بغاة مفسدون في الأرض؛ مستبيحون لما حرم الله من الدماء. ثم أعطاه سيفه، وأشار إلى أولهم وقال: عليك به…فقم إليه واضرب عنقه…فأخذ سالم السيف من يد الحجاج، ومضى إلى الرجل…
وقد شخصت أبصار القوم نحوه تنظر ماذا يفعل؟!فلما وقف على الرجل قال له: أمسلم أنت؟ فقال: نعم، ولكن ما أنت وهذا السؤال؟ امض لإنفاذ ما أمرت به. فقال له سالم: وهل صليت الصبح؟ فقال الرجل: قلت لك إني مسلم، ثم تسألني إن كنت صليت الصبح!!وهل تظن أن هناك مسلما لا يصلي؟ فقال سالم: أسألك أصليت صبح هذا اليوم؟ فقال الرجل: هداك الله، قلت لك نعم، وسألتك أن تنفذ ما أمرك به هذا الظالم، وإلا عرضت نفسك لسخطه. فرجع سالم إلى الحجاج، ورمى السيف بين يديه وقال: إن الرجل يقر بأنه مسلم، ويقول: إنه صلى صبح هذا اليوم، وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله”، وإني لا أقتل رجلا دخل في ذمة الله عز وجل. فقال له الحجاج مغضبا: إننا لا نقتله على ترك صلاة الصبح، وإنما نقتله لأنه ممن أعان على قتل الخليفة عثمان بن عفان. فقال له سالم: إن في الناس من هو أولى مني ومنك بدم عثمان. فسكت الحجاج، ولم يحر جوابا.
هؤلاء هم سلفنا الصالح الذي ما كان يخاف أن يقول للظالم أنت ظالم يقولون الحق ولا يخافون في الله لومة لائم، هكذا كانوا وهكذا يجب أن تكونوا.
أخي الأب، أختي الأم
إن الإنسان إذا رأى ما عليه الأولاد في هذه الأزمنة من التمرد والانحراف، ورأى ما عليه الآباء من الغفلة والإعراض، وقارن حالنا بحال السلف الصالح، فإن اليأس يكاد يدب في قلبه، وينفث آثاره في روعه. ولكن مهما يكن من شيء فالمسلم لا ييأس، ولا ينبغي له، فالذي أصلح السلف قادر على إصلاح الخلف، وهذه الأمة كالمطر الخير في أولها وآخرها. فالأمر- بعد توفيق الله- بأيدينا، وذلك إذا أخذنا بالأسباب، ودخلنا البيوت من الأبواب، وسعينا في البحث عن العلاج، وأصلحنا الخطأ وقومنا الاعوجاج.
فيا معشر الآباء والأمهات شمروا عن ساعد الجد، واقدحوا لتربية الأولاد الزند، واستفرغوا لذلك الطاقة والجهد؛ فوالله لو لم يأتكم من تربية الأولاد إلا أن تكفوا شرهم، وتسلموا من تبعتهم.
وفي الختام أحييكم وإلى لقاء آخر ونصائح أخرى إلى الآباء والأبناء فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
إعداد : أم إسراء