Take a fresh look at your lifestyle.

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية” الحلقة الثامنة والأربعون

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”

الحلقة الثامنة والأربعون

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أيها المسلمون:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: موضوع حلقتنا لهذا اليوم هو “ثبات حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام”.

في ولاية الأردن ضرب حاملو الدعوة من شباب حزب التحرير أروع الأمثلة في الثبات أمام السلطات الأمنية وأجهزة المخابرات العامة الذين أذاقوا الشباب أشد صنوف العذاب. نتابع معكم تتمة الموقف الثالث الذي وقفه أستاذي الفاضل يوسف أحمد السباتين رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته! يقول رحمه الله:

قال لي مدعي المحكمة العرفية العسكرية “فائق الغضبان”: أنا متأسف. فقلت له: وماذا أفعل بأسفك؟ فقال: ما الذي تريده؟ قلت: ما أريده هو أن تقف يوم المحاكمة الموقف الذي يرضاه الله، ويحبه رسوله صلى الله عليه وسلم. قال: لأبذلن جهدي.

 

ثم قال: كم عدد أفراد أسرتك؟ قلت: ستة نفر. فقال: ما ذنبهم؟ “يعني أني بعملي هذا أتركهم جوعى”. قلت: الذنب ذنبك، وهذا هو السبب الذي يجعلكم جبناء إلى هذا الحد، فلا تقفون في وجه الظالم خوفا على الرزق، ألا تؤمنون أن الرزق بيد الله؟ {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}.

ثم سألني عن فحوى الورقة الثالثة لأنها كانت مكتوبة بأرقام وحروف ورموز، ولا أحد يعرفها غيري. فلم أخبره بشيء وانتهى التحقيق، وعدت إلى السجن، وبعد مضي خمسة عشر يوما خرجنا من السجن بالكفالة ريثما نطلب إلى المحاكمة.

كنت أعمل في إحدى المدارس التابعة لوكالة الغوث. وإذا بمدير التعليم يبعث إلي يخبرني بأن علي غدا المثول أمام محكمة أمن الدولة. وبعد نهاية الدوام جاءني شرطي إلى البيت، وطلب مني أن أصحبه إلى المخفر. وهناك أخبرني رئيس المخفر بأن محاكمة أمام محكمة أمن الدولة ستجرى لي غدا، وسألني عن قضيتي فذكرت له أنني من حزب التحرير الذي يعمل لإقامة دولة الخلافة. وقلت له: إن دولتك تحارب الإسلام. وأخذت أحدثه عن حمل الدعوة فراق له ذلك. وقال: ما دمت جارا لنا، فلا تبخل علينا بالزيارة؟ وطلب مني زيادة في الحديث، وجمع جنود المخفر ليسمعوا، وقال: إن شاء الله تعود بريئا وتزورنا!  

وفي اليوم التالي ذهبت محفوظا برفقتهم إلى المحكمة. وأودعت أنا وصديقي قفص الاتهام. وكانت قاعة المحكمة غاصة بالمستمعين من المدنيين والعسكريين، وكانت المحكمة علنية. ولما بدأ المدعي العام   “فائق الغضبان” يتلو ويعدد المبرزات التي ضبطت بحوزتي والتي مر ذكرها أثناء التحقيق. التفت إلى المستمعين، وكأن على رؤوسهم الطير، وقد بدا على وجوههم الوجوم. وصرت أتوقع أن أحكم ثلاث سنوات، فلما انتهى المدعي العام من تلاوة بياناته، سألني رئيس المحكمة:

 

هل تريد مناقشة المدعي العام؟ قلت: نعم. ولكني لم أناقشه في مضمون المبرزات الثلاث، وما فيها من اتهامات الحكام .

 

ولكني ناقشته في طلبه مني استنكار حزب التحرير فكان النقاش طبقا لما جرى بيننا أثناء التحقيق. ولما أجبت على موضوع الاستنكار من الناحية الشرعية أثرت على عواطف المستمعين، فوقف ضابط وقال: حرام والله أن يكون هذان متهمين! ولما انتهيت من الإجابة على موضوع الاستنكار من الناحية القانونية كنت ألاحظ أثناء النقاش أعضاء المحكمة يلتفت بعضهم إلى بعض مستغربين حسن الإجابة، والتلاعب بعواطف المستمعين. فقال الشاويش الذي يقود سيارة أعضاء المحكمة: لا بد من براءة المتهمين.

وتهللت وجوه المستمعين بالبشر. فانتهى النقاش، واختلى أعضاء المحكمة للتشاور في إصدار الحكم، وأثناء ذلك تقدم المدعي العام نحونا، وبشر صديقي بالبراءة، وأخبرني بأني سأحكم بثلاثة أشهر أو بشهر واحد، فغمرتني الفرحة! وتقدم أحد أعضاء اللجنة المحلية لمنطقة الخليل والتي كنت حينذاك نقيبها. وكان يريد أن يعرف ما يدور بيني وبين المدعي العام، فأشرت إليه أن يرجع إلى مكانه.

عاد القضاة إلى منصة المحكمة، وأعلن رئيسها براءة صديقي وإدانتي بالسجن شهرا أو استبداله بغرامة مالية قدرها خمسة عشر دينارا أردنيا، فصفق المستمعون هاتفين: يحيا العدل! والحقيقة لولا وعد المدعي العام لي أثناء التحقيق لكانت عقوبتي ثلاث سنوات حسب العادة. وخرج القضاة، وتقدم المدعي العام وقال لي: والله إن كل ما قلته صحيح! يعني بذلك قولي بأن حكام الأردن جواسيس ليهود!  وأضاف قائلا: والله إني لأحب أن يكون كل الشباب مثلكم! ولكن العين بصيرة، واليد قصيرة! وقال لي: هات الخمسة عشر دينارا. فأخذها وأعطاها بدوره لعسكري ليدفعها، ويوافيني بالوصل النقدي حتى لا يعترضني أحد. ثم قال للجنود الذين أحضروني أن يتركوني وشأني. ولما عدت مررت بالمخفر وأخبرتهم ببراءتي، وتكررت زياراتي لهم، وفي كل مرة أحدثهم عن ضرورة العمل للتغيير!

أجل أيها المسلمون هكذا كان موقف حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام! لم يكتفوا بالثبات على الحق أثناء حمل الدعوة، بل يطمحون إلى أن يكونوا ثابتين أيضا أمام الكفار في ساحات القتال، وفي ميادين الجهاد في سبيل الله! وقد صدق فيهم قول الشاعر:

قف دون رأيك في الحياة مجاهدا        إنما الحيـاة عقيـدة وجهـاد

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

محمد احمد النادي