بسم الله الرحمن الرحيم
تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة التاسعة والستون
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: “أحاسنكم أخلاقا” وقد سبق الحديث عن اثنين من الأخلاق الحسنة وهما: الحياء, والحلم والأناة والرفق:
ثالثا: الصدق: قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}. (التوبة119) وقال: {فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم}. (محمد21). وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عليكم بالصدق فإن الصدق يهدى إلى البر, وإن البر يهدى إلى الجنة, وما يزال الرجل يصدق, ويتحرى الصدق, حتى يكتب عند الله صديقا…”. متفق عليه. وعن كعب بن مالك رضي الله عنه يحدث حديثه، حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك … قال: “وقلت يا رسول الله إنما أنجاني الله بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت …” متفق عليه. وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة”. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
عن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما قال: “قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان، نعرفه ، فما مخموم القلب؟ قال: “هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد”. رواه ابن ماجة, وصحح إسناده كل من الهيثمي والمنذري. وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عليكم بالصدق، فإنه مع البر، وهما في الجنة…” رواه ابن حبان في صحيحه, وأخرجه الطبراني عن معاوية بإسناد حسنه المنذري والهيثمي. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء”. رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
رابعا: التثبت مما يقوله ويحكيه, والتدقيق في النقل: قال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم}. (الإسراء36) وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}. (ق18). وقال جل من قائل: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على? ما فعلتم نادمين}. (الحجرات6). ومعنى الآية الكريمة أنه إذا وردنا خبر من أحد الفاسقين, فلا ينبغي لنا أن نكذبه؛ لأن الله تعالى لم يقل: {فكذبوه} وإنما قال: {فتبينوا}, وفي قراءة أخرى بلفظ: {فتثبتوا}, ولا ينبغي لنا أن نصدقه حتى نتأكد ونتثبت من صحته. وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع”.
خامسا: طيب الكلام: عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة”. متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “والكلمة الطيبة صدقة”. متفق عليه. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن في الجنة غرفة، يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، فقال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائما والناس نيام” رواه الطبراني وحسنه الهيثمي والمنذري والحاكم وصححه.
سادسا: طلاقة الوجه: روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق”. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك”. رواه أحمد والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تبسمك في وجه أخيك صدقة …” رواه أحمد وابن حبان في صحيحه. وعن أبي جري الهجيمي، قال: “أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنا قوم من أهل البادية، فنحب أن تعلمنا عملا لعل الله أن ينفعنا به، قال: “لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، وأن تكلم أخاك، ووجهك إليه منبسط، وإياك وإسبال الإزار، فإنها من الخيلاء، ولا يحب الله الخيلاء، وإن سبك رجل بما يعلم منك، فلا تسبه بما تعلم منه، فيكون لك أجر ذلك، ووباله عليه”. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، وابن حبان في صحيحه.
وختاما إليكم هذين البيتين من الشعر: الأول لعبد الله بن المبارك, والثاني للإمام الشافعي رحمهما الله, قال عبد الله بن المبارك:
حسـن الخلـق شـيء هيـن وجـه طليـق, وكـلام ليـن
وقال الإمام الشافعي:
وكـن رجلا على الأهوال جلدا وشيمتـك السمـاحة والوفـاء
فإذا التزم المسلم بالأخلاق الفاضلة, باعتبارها أحكاما شرعية واجبة الاتباع طاعة لله: امتثالا لأوامره, واجتنابا لنواهيه, فإنه يسمو ويرقى في المرتقى السامي من علي إلى أعلى, ومن شاهق إلى شاهق.
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, على أن نكمل تأملاتنا في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه. نشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي