Take a fresh look at your lifestyle.

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية” الحلقة الخامسة والثمانون

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”

الحلقة الخامسة والثمانون

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق:

 

حادي عشر: ومن الأخلاق الذميمة الغش: ومعنى الغش لغة: الغش: نقيض النصح، وهو مأخوذ من الغشش وهو المشرب الكدر, وغشه يغشه غشا لم يمحضه النصح، وأظهر له خلاف ما أضمره، وهو بعينه عدم الإمحاض في النصيحة كغششه تغشيشا، وهو مبالغة في الغش. والغش: الغل والحقد. وأما معنى الغش اصطلاحا: قال صاحب التنبيهات: الغش: كتم كل ما لو علمه المبتاع كرهه. وقال المناوي: الغش ما يخلط من الرديء بالجيد, وقال ابن حجر: الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئا لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذها بذلك المقابل. ولا يقتصر الغش على الغش في البيع والشراء, بل يتعداه إلى الغش في الحكم والنصح وتقديم الرأي والمشورة. ومن مترادفات الغش: الغلول، والخيانة، والمداهنة، والدجل، والتمويه، والمخرقة، والادهان.

 

عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من حمل علينا السلاح فليس منا, ومن غشنا فليس منا”. متفق عليه. وروى مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال: “ما هذا يا صاحب الطعام؟”. قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: “أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني”. وعن معقل بن يسار قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة”. متفق عليه.

 

ثاني عشر: ومن الأخلاق الذميمة الخديعة: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النار”. رواه ابن حبان في صحيحه. وعن عياض بن حمار المجاشعي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: “قال: وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا, والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه ورجل لا يصبح ولا يمسى إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك”. رواه مسلم. وفي رواية النسائي “لا يبتغون أهلا ولا مالا”. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ذكر رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من بايعت فقل لا خلابة”. متفق عليه. والخلابة: الخديعة. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم “نهى عن النجش” متفق عليه. قال النووي: أن يزيد في السلعة، لا لرغبة فيها بل ليخدع غيره ويغرر به. وقال ابن قتيبة: أصل النجش الختل وهو الخداع.

 

ثالث عشر: ومن الأخلاق الذميمة الغضب لغير الله: عن أبي هريرة رضي الله عنه “أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال: “لا تغضب” فردد مرارا قال: “لا تغضب” رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب” متفق عليه. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صلاة العصر، ثم قام خطيبا … وكان فيما حفظنا يومئذ “ألا إن بنى آدم خلقوا على طبقات شتى … ألا وإن منهم البطيء الغضب سريع الفيء ومنهم سريع الغضب سريع الفيء فتلك بتلك. ألا وإن منهم سريع الغضب بطيء الفيء ألا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء. ألا وشرهم سريع الغضب بطيء الفيء … ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم. أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه؟ فمن أحس بشيء من ذلك فليلصق بالأرض”. رواه الترمذي, وقال: حسن صحيح.

 

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من جرعة أعظم عند الله من جرعة غيظ، كظمها عبد ابتغاء وجه الله” رواه ابن ماجة وقال الهيثمي إسناده صحيح, ورجاله ثقات، وقال المنذري: رواته محتج بهم في الصحيح. وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن}. (فصلت34). قال: الصبر عند الغضب، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا عصمهم الله، وخضع لهم عدوهم. رواه البخاري تعليقا.

 

رابع عشر: ومن الأخلاق الذميمة سوء الظن بالمسلمين: قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم} (الحجرات12). قال ابن عباس في تفسير الآية: نهى الله المؤمن أن يظن بالمؤمن شرا. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث” متفق عليه. فإساءة الظن بالمؤمن الذي ظاهره الخير والصلاح لا تجوز، بل يندب إحسان الظن به، وأما المسلم الذي ظاهره قبيح مريب فإنه تجوز إساءة الظن به لما رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا”. وفي لفظ: “من ديننا الذي نحن عليه” قال الليث بن سعد كانا رجلين من المنافقين. انتهى كلام البخاري.

 

فإذا التزم المسلم بالأخلاق الفاضلة, باعتبارها أحكاما شرعية واجبة الاتباع طاعة لله: امتثالا لأوامره, واجتنابا لنواهيه, فإنه يسمو ويرقى في المرتقى السامي من علي إلى أعلى, ومن شاهق إلى شاهق. ولله در الناظم حيث قال:

 

طب ثم صل رحما  تفز ضف ذا نعم                  

                                       دع سـوء ظـن زر شريفا للكـرم

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد احمد النادي