الصائم مع القرآن والسنة
الصائم ولِيُّ الله
يقول الحق جلا وعلا في محكم تنزيله،: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ،لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، بَيَّنَتِ الآياتُ الكريماتُ التأكيدّ أنَّ أولياءَ اللهِ لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنونَ، وبيَّنَتْ مَنْ همْ، وذكرتْ لهم صفتين: الذينَ آمنوا، وكانوا يتقون، الإيمانُ والتقوى، فاجتماعُ الإيمانِ والتقوى عندَ عبدٍ من عبادِ الله تجعلُهُ ولياً من أولياءِ اللهِ.
وأولياءُ اللهِ الذينَ تحدثَتْ عنهمُ الآياتُ الكريماتُ لهم البشرى في الحياةِ الدنيا وفي الآخرة، ووصفتْ جزاءَهُمْ بأنّهُ الفوزُ العظيمُ.
قال تعالى: (وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) أكّدَتِ الآيةُ الكريمةُ ولايةَ اللهِ تعالى للمتقين، فالتقوى بعد الإيمان علامةُ ولايةِ اللهِ للعبد، كما أنها علامة ُ ولايةِ العبدِ للهِ.
روى الإمامُ البخاريُّ عنْ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه قالَ : قالَ رسولُ اللهِ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – إِنَّ اللهَ قالَ : (مَنْ عَادَى لي ولياً فقدْ آذَنْتُهُ بالحربِ، ومَا تَقَرَّبَ إليَّ عبدِيْ بشيءٍ أَحَبَّ إليَّ مما افترضتُ عليهِ، وما يَزالُ عبدِيْ يتقربُ إليَّ بالنوافلِ حتى أحبَّهُ ، فإذا أحْبَبْتُهُ كنتُ سَمْعَهُ الذيْ يَسْمَعُ به، وَبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ التي يَبْطِشُ بِهَا، ورِجْلَهُ التي يَمْشِيْ بها، وإنْ سَأَلَنِيْ لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِيْ لأُعِيْذَنَّهُ).
هذه واحدة من ثمارِ ولايةِ اللهِ تعالى، أنَّ الله تعالى ناصرُ أوليائِهِ وحاميْهم، والمدافعُ عنهم، فمن عادَى ولياً من أولياءِ اللهِ فإنَّ اللهَ تعالى قدْ أعلنَ عليه الحربَ، فاللهُ سبحانه مدافعٌ عن الذينَ آمنوا، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)، وما أكثرَ ثمارَ ولايةِ اللهِ تعالى.
وولايةُ العبدِ المؤمنِ التقيِّ للهِ تقتضيْ أنْ يواليَ من أمرَ اللهُ تعالى بموالاتهم، قال عزَّ وجلّ: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ، وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) فحصَرتِ الآياتُ أولياءَ المؤمنِ التقيِّ باللهِ عزَّ وجلَّ، ورسولِهِ الكريمِ صلى الله عليه وسلمَ، والذينَ آمنوا الذينَ يُقيمونَ الصلاة ويُؤتونَ الزكاةَ وهمْ راكعونَ. كما أنَّ الآياتِ وصفتْ الْمُوالِينَ للهِ ورسولِهِ والذينَ آمنوا بأنهم حزبُ اللهِ، وأكّدَتْ أنَّ الغَلَبَةَ والفوزَ والنصرَ لحزبِ اللهِ الْمُتَوالينَ في الله.
ونهى القرآنُ الكريمُ عن موالاةِ الكفارِ، ونهى عن موالاةِ الذينَ يهزأونَ بدينِ الإسلامِ مِنْ أهلِ الكتابِ، فقالَ عزَّ مِنْ قائلٍ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
بل إنَّ الآياتِ الكريماتِ نَهَتْ عن اتخاذِ الآباءِ والإخوانِ أولياءَ إنْ استمرّوا على كُفرِهم، واستحبُّوْا الكفرَ على الإيمانِ، فقالَ سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، بل وصفتْ من يُخالِفُ ذلك ويتخذُهُمْ أولياءَ بالظلمِ، وأنهم من الظالمين.
فمنِ الأَحَقُّ أنْ نتخِذَهُ ولياً: الذي له مُلكُ السمواتِ والأرضِ، وهو يُحْيِيْ ويُميتُ، وهو مالكُ يومِ الدينِ، ومدبّرُ أمرِ السمواتِ والأرضِ، الخالقُ الرازقُ الهاديْ إلى سواءِ السبيلِ. أمِ المخلوقونَ الضعفاءُ العاجزونَ الذينَ لا يملكونَ لأنفسِهم نفعاً ولا ضُرَّاً، ولا يملكونَ موتاً ولا حياةً ولا نشوراً؟ هذا هو الجوابُ الحقُّ: (إِنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) ليسَ لنا من دونِ اللهِ وليٌّ ولا نصيرٌ، (فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، صدقَ اللهُ العظيم.
فمنْ أولى من الصائمِ التاركِ لطعامِهِ وشرابِهِ وشَهَواتِهِ امتثالاً لأمرِ الله، والتاركِ لنومِهِ تالياً كتابَ اللهِ، من أولى منه بولايةِ اللهِ تعالى، وولايةِ من أمرَ اللهُ تعالى بموالاتِهِ؟ فإذا عرفنا أنّ الحكمةَ والثمرةَ المرجُوَّةَ منَ الصيامِ هي التقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) رأينا أنه قدِ اجتمع الإيمانُ معَ العملِ الصالحِ المؤدّيْ للتقوى، فالصائمُ وليُّ اللهِ.