Take a fresh look at your lifestyle.

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح11) القرآن الكريم يلفت النظر إلى الأشياء

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

(ح11)

 

 

القرآن الكريم يلفت النظر إلى الأشياءالحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.   

أيها المؤمنون:

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا “بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام” وَمَعَ الحَلْقَةِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ, وَعُنوَانُهَا: “القُرآنُ الكَرِيمُ يَلْفِتُ النَّظَرَ إِلَى الأَشيَاءِ”. نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتين السَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ مِنْ كِتَابِ “نظامُ الإسلام” لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.

يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: “وَلِذَلِكَ يَكفِي أنْ يُلْفَتَ النَظَرُ إِلَى أَيِّ شيءٍ في الكَونِ وَالحَيَاةِ وَالإِنسَانِ لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى وُجُودِ الخَالِقِ المُدَبِّرِ. فَالنَظَرُ إِلَى أَيِّ كَوْكَبٍ مِنَ الكَواكِبِ فِي الكَونِ، والتأَمُّلُ في أَيِّ مَظْهَرٍ مِنْ مَظاهِرِ الحياةِ، وَإِدرَاكُ أَيِّ ناحِيَةٍ فِي الإِنسَانِ، لَيَدُلُّ دِلالةً قِطْعِيةً عَلَى وُجُودِ اللهِ تَعَالَى, ولذلكَ نَجِدُ القرآنَ الكريمَ يَلْفِتُ النَظَرَ إِلَى الأشيَاءِ، وَيَدعُو الإنِسَانَ لأَنْ ينظُرَ إِلَيهَا وَإِلَى مَا حَوْلَهَا وما يتعلَّقُ بِهَا، ويَسْتَدِلُّ بِذَلِكَ عَلَى وُجُودِ اللهِ تَعَالَى. إِذْ يَنظُرُ إِلَى الأشياءِ كَيْفَ أَنَّهَا محتاجةٌ إِلَى غَيرِهَا، فَيُدْرِكُ مِنْ ذَلِكَ وُجُودَ اللهِ الخَالِقِ المُدَبِّرِ إِدرَاكاً قَطعِيًا. وَقَدْ وَرَدَتْ مِئَاتُ الآيَاتِ فِي هَذَا المَعنَى. قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)، وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الرُّومِ: (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ). وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الغَاشِيَةِ: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ). وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الطَّارِقِ: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ). وَقالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ البَقَرَةِ:  (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). إِلَى غَيرِ ذَلِكَ مِنَ الآيَاتِ الَّتِي تَدعُو الإِنسَانَ لأَنْ يَنظُرَ النَظْرَةَ العميقةَ إِلَى الأشيَاءِ وَمَا حَولهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، ويَستَدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى وُجُودِ الخَالِقِ المُدَبِّرِ، حتَّى يَكُونَ إيمانُهُ بِاللهِ إِيمَانًا رَاسِخًا عَنْ عَقْلٍ وَبَيِّنَةٍ.

ونَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أجَلْ هَذَا هُوَ مَنهَجُ القُرآنِ فِي الدَّلالَةِ عَلَى وُجُودِ الخَالِقِ المُدَبِّرِ لِهَذَا الكَونِ, وَعَلَى عَظَمَتِهِ وَهَيمَنَتِهِ عَلَى سَائِرِ مَخلُوقَاتِهِ. وَلِذَلِكَ نَجِدُ القُرآنَ الكريمَ يَنْتَهِجُ الأَسَالِيبَ الآتِيَةَ:

أولاً: يَلْفِتُ النَظَرَ إِلَى أَيِّ شيءٍ في الكَونِ وَالحَيَاةِ وَالإِنسَانِ لِيَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُودِ الخَالِقِ. كَقَولِهِ تَعَالَى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ). (فصلت 37) فَالنَظَرُ إِلَى أَيِّ كَوْكَبٍ مِنَ الكَواكِبِ فِي الكَونِ، لَيَدُلُّ دِلالةً قِطْعِيةً عَلَى وُجُودِ اللهِ تَعَالَى.

ثَانِيًا: يَلْفِتُ النَظَرَ إلَى الأشياءِ، وَيَدعُو الإِنسَانَ لأَنْ ينظُرَ إِليها وإلى ما حَوْلَهَا وما يتعلَّقُ  بِهَا. كَقَولِهِ تَعَالَى: (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ). (الواقعة 65) إِذْ ينظرُ إِلى الأشياءِ كَيْفَ أَنَّهَا محتاجةٌ إلى غيرِها، فَيُدْرِكُ مِنْ ذَلِكَ وُجُودَ اللهِ الخالقِ المدبِّرِ إِدراكًا قطعيًا.

ثَالثًا: يَدعُو إِلَى التأَمُّلِ في أَيِّ مَظْهَرٍ مِنْ مَظاهِرِ الحياةِ، كَقَولِهِ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا). (الفرقان 62) فَإِنَّ التأَمُّلَ في أَيِّ مَظْهَرٍ مِنْ مَظاهِرِ الحياةِ لَيَدُلُّ دِلالةً قِطْعِيةً عَلَى وُجُودِ اللهِ تَعَالَى.

رَابِعًا: يَدعُو إِلَى إِدرَاكِ أَيِّ ناحِيَةٍ فِي الإِنسَانِ كَقَولِهِ تَعَالَى: (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ). (الذاريات 21) وَكَقَولِهِ تَعَالَى: (أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ (58) أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ). (الواقعة 59) وَإِدرَاكُ أَيِّ ناحِيَةٍ فِي الإِنسَانِ َيَدُلُّ دِلالةً قِطْعِيةً عَلَى وُجُودِ اللهِ تَعَالَى.

وَفِي هَذَا المَقَامِ تَحضُرُنِي قِصَّةٌ يَروِيهَا صَاْحِبُهَاْ عَنْ نَفسِهِ, وَقَدْ كَاْنَ شُيُوْعِيًّا, يُبَيِّنُ فِيهَا كَيفَ هَدَاهُ اللهُ لِلإِيمَانِ, يَقُولُ الكَاتِبُ: “دَاوُد عَبد العَفْو سُنقْرُط” فِي الصَّفحَةِ الثَّانِيَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِهِ “سَبِيلِي إِلَى اللهِ”: “لِقَائِي مَعَ اللهِ بَعْدَ مَسِيرَةٍ امتَدَّتْ مَا يَقرُبُ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَامًا قَضَيتُهَا أُطَبِّلُ مَعَ الشُّيُوعِيِّينَ عَلَى طُبُولٍ حَمْرَاءَ … وَوَقَعَ فِي يَدِي فِي صَيفِ عَام أربَعَةٍ وَسِتِّينَ وَتِسعِمِائَةٍ وَألفٍ – عَلَى مَا أذكُرُ – كِتَابٌ فَلَكِيٌّ بِعُنوَان: “الكَونُ الأحْدَبُ” لِلصَّدِيق الدُّكتُور عَبدِ الرَّحِيم بَدْر, غَيَّرَ مَجرَى حَيَاتِي تَغْييرًا جَذرِيًا !!”… فَقَدْ كُنتُ أعرِفُ قَبلَ قِرَاءَتِي الكِتَابَ المَذكُورَ بِأنَّ الكَونَ رَحْبٌ وَاسِعٌ, وَلَكِنْ لَيسَ بِتِلْكَ الرَّحَابَةِ وَالسَّعَةِ الَّتِي قَرأتُ عَنهَا فِي الكِتَابِ يَومَذَاكَ … فَقَدْ قَرأتُ أنَّ أقرَبَ نَجْمٍ إِلَينَا بَعْدَ الشَّمْسِ يَبعُدُ عَنَّا أربَعَ سِنِينَ ضَوئِيَّةً, وَأنَّ هُنَاكَ مِنَ النُّجُومِ الَّتِي نَرَاهَا بِأعيُنِنَا, وَنَرصُدُهَا بِمَرَاصِدِنَا تَبعُدُ عَنَّا مَلايِينَ السِّنِينَ الضَّوئِيَّةِ, بِمَعنَى أنَّ بَعْضَهَا قَد تَلاشَى كَونِيًا, وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّنَا مَا نَزَالُ نَرَاهُ كَمَا كَانَ قَبلَ تَلاشِيهِ؛ لأنَّ ضَوءَهُ الَّذِي خَلَّفَهُ وَرَاءَهُ قَبلَ ذَلِكَ مَا زَالَ يَسِيرُ فِي الكَونِ فَيَصِلُنَا وُنَرَاهُ”.

وَيَقُولُ الدُّكتُورُ عَبدُ الرَّحِيم بَدر فِي كِتَابِهِ “الكَونُ الأحْدَبُ” فِي الصَّفحَةِ الثَّانِيَةِ وَالخَمسِينَ بَعدَ المِائَتَينِ: “فَحَيثُمَا أدَرْنَا التِّلِسكُوبَ نَجِدْ نُجُومًا وَمَجَرَّاتٍ دَرَسَهَا الفَلَكِيُّونَ, وَحَدَّدُوا مَعَالِمَهَا, وَأعطَوهَا أسمَاءَهَا, وَقَدَّرُوا أبْعَادَهَا النَّائِيَةَ جِدًّا بِالمَلايِينِ وَالبَلايِينِ (وَالبِليُونُ ألفُ مِلْيُونٍ) مِنَ السَّنَوَاتِ الضَّوئِيَّةِ. وَلَكِنَّ الفَلَكِيِّينَ مَهْمَا كَدَّسُوا أصْفَارًا أمَامَ أرقَامِ السَّنَوَاتِ الضَّوئِيَّةَ, وَمَهْمَا بَعُدَ مَدَى النَّظَرِ الَّذِي يَرَونَهُ فِي تِلِسكُوبَاتِهِمْ, فَإِنَّهُمْ يَقِفُونَ عِندَ حَدٍّ مُعَيَّنٍ, وَيَقُولُونَ: “لا نَدرِي مَا وَرَاءَ ذَلِكَ!!”.  

 

15 6 2016 p1

وَيُتَابِعُ دَاوُد عَبد العَفْو سُنقْرُط رِوَايَةَ قِصَّةِ هِدَايَتِهِ فَيَقُولُ: “كَانَ ذَلِكَ فِي صَيفِ عَام أربَعَةٍ وَسِتِّينَ وَتِسعِمِائَةٍ وَألفٍ كَمَا ذَكَرْتُ, وَكُنتُ أصْطَحِبُ الكِتَابَ مَعِي بَعدَ انقِضَاءِ السَّهْرَةِ مَعَ الأهْلِ إِلَى السَّطْحِ أقرؤُهُ, وَأنَامُ بَعدَ الانتِهَاءِ مِنَ القِرَاءَةِ هُنَاكَ هَربًا مِنَ الحرِّ؛ لأنَّنِي لا أُطِيقُ النَّومَ فِي غُرفَةٍ مُكَيَّفةٍ, وَأعتَرِفُ أنَّنِي استَمتَعْتُ بِالكِتَابِ بِالرَّغْمِ مِنْ حَدِيثِهِ وَأُسلُوبِهِ العِلْمِيِّ الرَّصِينِ, وَتَدَافُعِ الحَقَائِقِ وَالأرقَامِ تَدَافُعَ الجِيَاعِ عَلَى القِصَاعِ, إِلاَّ أنَّ الكِتَابَ لَمْ يُثِرْ فِيَّ مُتعَةً فَحَسْبُ, بَلْ إِنَّهُ فَتَحَ لِي كُوَّةً مِنَ التَّأمُّلِ وَالتَّفكِيرِ, طَوَّحَتْ بِي بَعِيدًا عَنْ كُلِّ الميَادِينِ الَّتِي كُنتُ أرتَادُهَا قَبلاً, وَدَخَلَتْ بِي مَيدَانًا جَدِيدًا التَقَيتُ فِيهِ مَعَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجْهًا لِوَجْهٍ, كَيفَ؟

مُعَادَلَةٌ بَسِيطَةٌ أثَارَهَا الكِتَابُ فِي نَفْسِي نَتَجَتْ مِنْ تَسَاؤُلاتِي عَنْ مَكَانِي وَمَكَانَتِي وَدَورِي فِي هَذَا الكَونِ الفَسِيحِ الوَاسِعِ المَلِيءِ بِالأسرَارِ وَالألغَازِ: (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا). (الكهف 109)

صَدَقَ اللهُ العَظِيمُ. مُعَادَلَةٌ بَسِيطَةٌ إِذَنْ تَقُولُ: هُنَاكَ كَائِنٌ صَغِيرٌ صَغِيرٌ لا يُعَدُّ شَيئًا بِالنِّسبَةِ إِلَى “حَيِّ حَوَلِّي” فِي الكُوَيتِ … وَ “حَيُّ حَوَلِّي” لا يُعَدُّ شَيئًا إِلَى مَدِينَةِ الكُوَيتِ … وَمَدِينَةُ الكُوَيتِ لا تُعَدُّ شَيئًا إِلَى دَولَةِ الكُوَيتِ … وَدَولَةُ الكُوَيتِ لا تُعَدُّ شَيئًا فِي أرْضِنَا … وَأرضُنَا لا تُعَدُّ شَيئًا فِي مَجمُوعَتِنَا الشَّمسِيَّةِ … وَمَجمُوعَتُنَا الشَّمسِيَّةُ لا تُعَدُّ شَيئًا فِي مَلايِينِ المَجمُوعَاتِ الشَّمسِيَّةِ فِي مَجَرَّةِ طَرِيقِ التبَّانِ الَّتِي تُشَكِّلُ بِمَجمُوعَاتِهَا تِلكَ المَجَرَّةَ … وَمَجَرَّةُ طَرِيقِ التبَّانِ لا تُعَدُّ شَيئًا فِي بَلايِينِ المَجَرَّاتِ الَّتِي يَتَكَوَّنُ مِنهَا عَالَمُنَا الَّذِي نَرَاهُ وَنَرصُدُهُ … وَلا شَكَّ أنَّ هُنَاكَ عَوَالِمُ أُخْرَى فِي مَلَكُوتِ اللهِ بَعِيدَةٌ عَنْ عُيُونِنَا المُجَرَّدَةِ وَمَجَاهِرِنَا المُكَبِّرَةِ … وَالحمَدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ, وَلَيسَ رَبَّ عَالِمٍ وَاحِدٍ … مِنْ مِثلِ هَذِهِ التَّسَاؤُلاتِ خَرَجْتُ بِنَتِيجَةٍ بَسِيطَةٍ … بَسِيطَةٍ جِدًا تَقُولُ: مَنْ أنتِ أيتُهَا الدُّودَةُ الصَّغِيرَةُ – وَهَذَا لا يَنفِي أنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَرَّمَ بَنِي آدَمَ – مَنْ أنتِ أيتُهَا الدُّودَةُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَمْ تَستَطِعِ احتِمَالَ الحَرِّ دَاخِلَ غُرفَةٍ … لا تُعَدُّ فِي مَلَكُوتِ اللهِ شَيئًا؟ مَنْ أنْتِ حَتَّى تَحكُمِي بِعَقْلِكِ المَحدُودِ … المَحدُودِ جِدًّا … وَبِمَنطِقِكِ السَّقِيمِ … السَّقِيمِ جِدًّا عَلَى هَذَا الكَونِ الفَسِيحِ الوَاسِعِ … المَلِيءِ بِالألغَازِ وَالأسرَارِ … وَالمُحْكَمِ الصُّنعِ وَالتَّدبِيرِ؟ وَهَلْ يُعْقَلُ أنَّ هَذَا الكَونَ بِكُلِّ سَعَتِهِ وَأسرَارِهِ وَإِحكَامِ صُنعِهِ قَدْ وُجِدَ بِنَفسِهِ عَرَضًا مُنذُ الأزَلِ وَسَيَبقَى كَذَلِكَ إِلَى الأبَدِ؟؟

إِنَّ العِلْمَ لا يَعرِفُ إِلاَّ مَا قَامَ عَلَيهِ الدَّلِيلُ الحِسِّيُّ المَادِيُّ أوِ البُرهَانُ العَقْلِيُّ, وَإِنَّ ذَلِكَ لَيَقُولُ بِأفصَحِ لِسَانٍ بِأنَّ هَذَا الكَونَ المُحْكَمَ التَّدبِيرِ وَالصُّنْعِ لا بُدَّ لَهُ مِنْ مُدَبِّرٍ أوجَدَهُ, وَأحْكَمَ صُنعَهُ وَتَدبِيرَهُ, وَالتَقَيتُ مَعَ اللهِ, أجَلْ التَقَيتُ مَعَ اللهِ وَأنَا عَلَى السَّطْحِ أنظُرُ إِلَى نُجُومِ السَّمَاءِ, فَكَأنِّي أرَاهَا لأوَّلِ مَرَّةٍ, فَقَدْ أصْبَحَ لِلسَّمَاءِ لَونٌ آخَرُ فِي عَينَيَّ, وَمَكَانَةٌ جَدِيدَةٌ فِي ضَمِيرِي وَوُجدَانِي … فَقَدْ ظَهَرَ لِي بِمَا لا يَدَعُ مَجَالاً لِلشَّكِّ بِأنَّهَا مِنْ صُنْعِ اللهِ الوَاحِدِ الأحَدِ, الفَردِ الصَّمَدِ, القَدِيرِ الحَكِيمِ المُبدِعِ. وَعِندَمَا فَهِمْتُ مَقُولَةَ أُمِّي الَّتِي كَانَتْ تُكَرِّرُهَا عَلَى مَسَامِعِي نَاصِحَةً: “يَا بُنَيَّ, اللهُ مَا شَافُوهُ, لَكِنْ بِالعَقْلِ عَرَفُوهُ!!” أجَلْ عَرَفْتُ اللهَ بِعَقْلِي فِي سَعَةِ هَذَا الكَونِ, وَإِحكَامِ صُنعِهِ, وَتَدبِيرِ أمْرِهِ, وَبَعدَ أنْ هَدَانِي اللهُ إِلَيهِ طَرَحْتُ الكِتَابَ جَانِبًا, وَرُحْتُ فِي إِغفَاءَةٍ عَمِيقَةٍ لَمْ أسْتَفِقْ مِنهَا إِلاَّ عَلَى صَوتِ المُؤَذِّنِ يُؤَذِّنُ لِصَلاةِ الصُّبحِ, فَتَوَضَّأتُ وَذَهَبْتُ إِلَى المَسجِدِ أُصَلِّي, وَإِذَا بِي بَينَ جَمَاعَةِ المُؤمِنِينَ وَمَا أزَالُ … لَقَدْ وَقَفْتُ بَينَهُمْ كَمَا كَانَ يُوقِفُنِي وَالِدِي فِي الحَرَمِ الإِبرَاهِيمِيِّ.    

15 6 2016 p2

أيها المؤمنون: 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.