Take a fresh look at your lifestyle.

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية” – الحلقة الثالثة والتسعون

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”

 

الحلقة الثالثة والتسعون

 

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق:

 

ثمان وعشرون: ومن الأخلاق الذميمة النميمة: قال تعالى: {هماز مشاء بنميم}. (سورة ن11) وعن حذيفة بن اليمان  رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة نمام” متفق عليه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير! بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله”. متفق عليه.

 

تسع وعشرون: ومن الأخلاق الذميمة قطيعة الرحم: قال تعالى: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم}. (محمد23) وقال: {والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار}. (الرعد25) وعن أبي محمد جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يدخل الجنة قاطع” متفق عليه. وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم، قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك” متفق عليه. وأخرج البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها”. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله” متفق عليه.

 

ثلاثون: ومن الأخلاق الذميمة الرياء والتسميع: الرياء هو قصد رضا الناس عند إيقاع القربة، فهو من أعمال القلب لا من أعمال اللسان ولا سائر الجوارح، وحقيقته أنه القصد من القول أو الفعل، ففي الرياء بدلا من أن تكون القربة لله تكون للناس، فالقول أو العمل، أي القرب، ليست هي الرياء وإنما هي محله، والرياء هو عين القصد، وليس هو المقصود، إذ المقصود هو رضا الناس. فإذا كان القصد مشتركا بين الله والناس كانت القربة حراما، وأشد من هذا إذا كانت خالصة للناس دون الله.

 

وتقييد الرياء بالقرب لأنه في غيرها لا يكون رياء، وذلك كإجراء عقد بيع على مرأى من الناس، أو التجمل باللباس المباح وغير هذا، أما قيد رضا الناس فلإخراج المقاصد الأخرى كمن يقصد المنافع في الحج.

 

والقرب قد تكون من العبادات وقد تكون من غيرها، فالذي يطيل السجود ليراه الناس مراء، والذي يتصدق ليراه الناس مراء، والذي يجاهد ليراه الناس مراء، والذي يكتب مقالا ليقال: “عالم” مراء، والذي يلقي محاضرة لكسب إعجاب الناس مراء، والذي يخطب ليقال: “خطيب” مراء، والذي يلبس مرقعة ليقال: “زاهد” مراء، والذي يطيل لحيته, ويشمر ثوبه ليقال: “صاحب سنة” مراء، والذي يداوم على أكل العدس ليقال: “متقشف” مراء، والذي يدعو الألوف ليقال: “جواد” مراء، والذي يطأطئ في مشيته ليقال: “خاشع” مراء، والذي يرفع صوته بالقرآن ليلا ليسمع جيرانه مراء، ومن حمل مصحفا صغيرا, وحرص على أن يراه الناس فيرضوا مراء. ونحن في زمان لا يستحيا فيه من الرياء، بل إن الأعم الأغلب يجهلونه، ويجهلون واقعه وأحكامه. والدليل على أننا في الزمان الذي لا يستحيا فيه من الرياء، ظهور قلانس البرود الذين أخبر عنهم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الزبيدي والصفي في الكنز والحكيم الترمذي في النوادر وأبو نعيم في الحلية بإسناد قال عنه الحاكم: لا أعلم له علة، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يكون في آخر الزمان ديدان القراء، فمن أدرك ذلك الزمان فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومنهم، وهم الأنتنون، ثم يظهر قلانس البرود فلا يستحيا يومئذ من الرياء، والمتمسك يومئذ بدينه كالقابض على جمرة، والمتمسك بدينه أجره كأجر خمسين، قالوا: أمنا أو منهم؟ قال: بل منكم”، والقلانس جمع قلنسوة. والبرود جمع برد، وهذا كناية عن رجال الدين الذين يتميزون بالقلانس والبرود بغض النظر عن الشخص الذي تحويه القلنسوة والبرد، فالاعتبار عند الناس انما هو للقلنسوة والبرد بغض النظر عن الشخص الذي يلبسها؛ لهذا ورد علامة على عدم الاستحياء من الرياء.

 

أما التسميع فهو التحدث للناس بالقرب لنيل رضاهم. والفرق بين الرياء والتسميع أن الرياء مصاحب للعمل، أما التسميع فيكون بعده، أي بعد العمل. والرياء لا يعلمه إلا الله ولا سبيل للتحقق منه عند الناس، حتى المرائي فإنه لا يعرف الرياء من نفسه إلا إذا كان مخلصا، نقل النووي في المجموع عن الشافعي أنه قال: “لا يعرف الرياء إلا مخلص”. والإخلاص يحتاج إلى معاناة ومجاهدة للنفس، لا يقوى عليها إلا من طلق الدنيا.

 

وانظروا إلى تواضع الإمام الشافعي رحمه الله, فهو على علمه وتقواه يقول هذين البيتين من الشعر فماذا عسانا نقول نحن؟

 

أحب الصالحين ولست منهم        لعلي أن أنـال بهم شفاعـة

 

وأكره من تجارتـه المعاصي        ولو كـنا سواء  في البضاعة

 

فإذا التزم المسلم بهذه الأخلاق الفاضلة, باعتبارها أحكاما شرعية واجبة الاتباع طاعة لله: امتثالا لأوامره, واجتنابا لنواهيه, فإنه يسمو ويرقى في المرتقى السامي من علي إلى أعلى, ومن شاهق إلى شاهق.

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

محمد أحمد النادي