انبذوا الوطنية نبذ النواة
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
أما بعد أحبتي الكرام فأحييكم بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وتقبل الله منكم الصيام والقيام وسائر الطاعات.
حديثي معكم الليلة يدور حول أمر هو بحق السم الزعاف، هو بحق الخنجر الذي عمل ويعمل في الأمة تقطيعاً وتمزيقاً، هو بحق عقبة كأداء أمام توحد الأمة.
حديثي معكم حول الوطنية.
لغةً فقد ورد في لسان العرب أن كلمة الوطن تعني المنزل تقيم به، وكل مقام قام به الإنسان لأمر فهو موطن له. وورد في الصحاح أن الوطن هو محل الإنسان، وهكذا بقية القواميس الأخرى فإن ما ورد فيها يدور حول هذا المعنى.
أما في الاصطلاح الحديث فإن الوطن لم يرد له مصطلح ولم يتغير معناه وظل المكان الذي يقيم فيه الإنسان مع غيره؛ ولكن كلمة المواطنة أصبحت تعني الانتماء للوطن المعين والولاء له والاستعداد للدفاع والتضحية في سبيله والدفاع عنه، وظهرت كلمة أخرى لها علاقة بذلك وهي كلمة الوطنية والتي تعني الارتباط بين الناس على أساس الوطن الواحد.
أحبتي الكرام، إن نظرة الإسلام لمكان إقامة الإنسان تأتي من خلال النظام الذي يطبق في مكان الإقامة ومن خلال المجتمع الذي يتواجد على هذا المكان، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾. وبذلك أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين إلى أرض الله الواسعة حيث يمكنهم إقامة الدين، بأن يوحدوا الله ويعبدوه كما أمرهم. ولهذا لما ضاق على المستضعفين بمكة مقامهم بها خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة ليأمنوا على دينهم هناك، ثم بعد ذلك هاجر رسول الله r والصحابة الباقون إلى المدينة المنورة. كما واعتبرت الدار دار إسلام إذا طبق فيها الإسلام ولو كان جل أهلها من غير المسلمين واعتبرت الدار دار كفر إذا طبقت فيها أحكام الكفر ولو كان جل أهلها مسلمين.
أحبتي الكرام، إننا أصحاب رسالة عالمية حدودها حدود هذا الكوكب الذي نعيش عليه، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾، والرسالة العالمية لا تحدها أوطان ولا حدود جغرافية ولا تقتصر على شعب واحد أو قوم واحد.
إن الرابطة الصحيحة التي تصلح لأن تربط الإنسان بالإنسان هي الرابطة العقائدية التي ينبثق عنها نظام يعالج مشاكل الإنسان في حياته كلها وينظم علاقات الأفراد في المجتمع الواحد. فقد هاجر الرسول r إلى المدينة في الوقت الذي كانت فيه غارقة في حروب دامية مستعرة ونزاعات قبلية مستمرة استمرت لسنوات طويلة، ولم تتوقف هذه الحروب إلا بعد دخول الإسلام إليها والتفاف الناس حول العقيدة الواحدة عقيدة التوحيد، قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾. فالاعتصام بحبل الله المتين هو الذي يجعل المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
وفي حقيقة الأمر فإن الواقع التاريخي يبين أن الدعوات الإقليمية من وطنية وقومية لم تظهر في العالم الإسلامي إلا بعد الغزو الاستعماري لبلاد المسلمين، وذلك حين قام بتجزئة البلاد الإسلامية بعد احتلاله لها ليسهل عليه السيطرة عليها عملاً بمقولة “فرق تسد”. قال الجاسوس الانجليزي الشهير “لورنس” “وأخذت طول الطريق أفكر في سوريا… وفي الحج، وأتساءل: هل تتغلب القومية ذات يوم على النزعة الدينية؟ وهل يغلب الاعتقاد الوطني الاعقتاد الديني؟ وبمعنى أوضح، هل تحل المشاكل العليا السياسية مكان الوحي والإلهام، وتستبدل سوريا مثلها الأعلى الوطني بمثلها الديني؟”. وكان فيصل هو الزعيم الذي ينشده الانجليز، أو هو (نبي الوطنية) كما سماه لورنس.
زبدة القول أحبتي في الله، أن الإسلام قد قرر أن الولاء والتضحية تكون في سبيل عقيدة الإسلام، عقيدة التوحيد، ولإعلاء كلمة الله على وجه الأرض، والإسلام يعلو ولا يُعلى عليه حدوداً رسمها سايكس وبيكو!
فالله الله في ثورتكم، الله الله في هذه الفرصة التاريخية التي يجب استغلالها لصناعة عهد جديد ودولة جديدة ومجتمع جديد، يكون فيه حقاً وصدقاً القرشي والحبشي والرومي والفارسي عباد الله إخوانا، سواسية أمام القانون، لا تفرقهم جنسية ولا قومية، كما كان سلفهم أبو بكر وبلال وصهيب وسلمان.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين