الصائم مع القرآن والسنة
الصائمُ الْحَيِيُّ
لقد مدحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليهِ وسلّمَ خُلُقَ الحياءِ في مواضع كثيرة، ومناسباتٍ متعددة، فقد أمرنا صلى الله عليه بأنْ نسْتَحْيِيَ من اللهِ تعالى في ما رواه عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضي الله عنه: (اسْتَحْيُوْا منَ اللهِ تعالى حَقَّ الْحَيَاءِ، مَنِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ فَلْيَحْفَظِ الرأسَ وَمَا وَعَى، وَلْيَحْفَظِ البَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْيَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أرادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِيْنَةَ الْحَيَاةِ الدنيا، فَمَنْ فَعَلَ ذلكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ)، فمنْ عَلمَ أنَّ اللهَ يَراهُ في كلِّ حينٍ ووقتٍ ومكانٍ اسْتَحْيا منه، وابتغى رضوانَهُ واجْتَنَبَ معصيتَهُ، ولذلكَ كانَ الإحسانُ أنْ نعبدَ اللهَ كأنّكَ تراهُ، فإنْ لم تكنْ تراهُ فإنه يَراكَ، وقدْ قِيلَ قَديماً: إذا أردْتَ أنْ تَعْصِيَ اللهَ فاذهبْ إلى مكانٍ لا يراكَ اللهُ تعالى فيه!!
والحياءُ خُلُقٌ عظيمٌ، وهو كلُّهُ خيرٌ، وهو خيرٌ كلُّهُ، كما في قولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليهِ وسلمَ الذي رواهُ الإمامُ مسلمٌ عن عمرانَ بنِ الْحُصَيْن. والحياءُ أيضاً لا يأتِيْ إلا بخيرٍ.
ولقدْ مَرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلمَ على رجلٍ وهو يُعَاتِبُ أخاهُ في الْحَيَاءِ، يقولُ: إنك لَتَسْتَحْيِيْ، حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُوْلُ: قَدْ أَضَرَّ بِكَ، فقالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: (دَعْهُ، فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإيمانِ). والحياءُ أيضاً شعبةٌ منْ شُعَبِ الإيمانِ كما روى البخاريُّ ومسلمٌ رضي الله عنهما.
ولقدْ كانَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ في خِدْرِهَا . كما رواه البخاريُّ عن أبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، حتى إنّه صلى اللهُ عليه وسلم كانَ يسْتَحْيِيْ أنْ يُخبِرَ الصحابةَ أنّه قدْ تأذّى بسَبَبٍ بعضٍ منهم، قالَ اللهُ جلَّ وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ).
والحياءُ خُلُقُ الإسلامِ؛ لقولِهِ عليه الصلاةُ والسلامُ : (إِنَّ لِكُلِّ دِيْنٍ خُلُقاً، وَخُلُقُ الإسلامِ الْحَياءُ)، رواهُ الإمامُ مالكٌ في مُوَطَّئِهِ، وابنُ ماجه في سننِهِ. والحياءُ يَحْمِلُ العبدَ على الاستقامةِ على الطاعةِ، وعلى تَرْكِ المعصيةِ ونَبْذِ طَرِيقِها، ويدل على ذلك قولُ نبينا صلى الله عليه وسلم : (إنَّ مِمَّا أدركَ الناسُ مِنْ كلامِ النبوةِ الأولى إذا لَمْ تَسْتَحِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ)، رواهُ البخاريُّ.
ولكنَّ الحياءَ لا يمنعُ منَ التعلّمِ والتفقُّهِ في الدينِ، ولا من قولِ الحقِ، ويجعلُ صاحبَهُ يسكتُ على الباطلِ بحجةِ الحياءِ، فقد مَدَحَتْ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها نساءَ الأنصارِ بقولِهَا: “رَحِمَ اللهُ نِساءَ الأنصارِ، لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الحياءُ أنْ يَتَفَقَّهْنَ في الدينِ”. رواهُ الإمامُ مسلمٌ.فمنْ أولى من الصائم بالْحَياءِ منَ اللهِ تعالى، الذي امتنعَ عن طعامِهِ وشرابِهِ وشَهَواتِهِ لأجلِهِ مُبتغياً رضوانَهَ ورحمتهَ؟ فهو يسْتَحْيِيْ منه لِيَقِينِهِ أنّهُ يَراهُ، فلا يقعُ في معصيةٍ كبيرةٍ ولا صغيرةٍ، ولا يُقَصِّرُ في أمرٍ شرَعَهُ اللهُ تعالى.