بسم الله الرحمن الرحيم
تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة المـائة وثمان
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: “أدب الحديث”. وهو ثلاثة أقسام: أدب التدريس, وأدب الخطبة, وأدب الجدل.
القسم الثالث: من أدب الجدل: ومما أوصى به علماء المسلمين في قوانين الجدل وآدابه:
سابع عشر: أن يقبل بوجهه على خصمه، وأن لا يلتفت إلى الحاضرين استخفافا بحق مناظره، سواء أخالفوه أم وافقوه، فإن فعل الخصم ذلك نصحه، فإن لم يقلع قطع المناظرة.
ثامن عشر: أن لا يناظر متعنتا معجبا برأيه، فإن المعجب لا يقبل من أحد قولا.
تاسع عشر: أن لا يناظر في مجالس الخوف، كالمناظرة على القنوات الفضائية والمجالس العامة، إلا أن يكون مطمئنا لدينه لا يخشى في الله لومة لائم، مستعدا لتحمل تبعة ما يقول من سجن أو حتى قتل، أو في مجلس أمير أو صاحب سلطان يخشى منه على نفسه، فإن لم يكن قد وطن نفسه على أن يكون مع حمزة، وإلا فالسكوت أولى به، لأنه حينئذ يزري بالدين والعلم، وهنا يذكر موقف أحمد ومالك من القدماء، وموقف الذين ناظروا القذافي عندما أنكر السنة من المعاصرين.
عشرون: أن لا يناظر من يبغضه، سواء أكان البغض منه أم من خصمه.
واحد وعشرون: أن لا يتقصد الارتفاع على خصمه في المجلس.
اثنان وعشرون: أن لا يتوسع في الكلام خاصة في أمور معروفة عند الخصم، بل يقصد بعبارة مختصرة غير مخلة بالمقصود إلى نكتة الحكم، أي موضوع المناظرة.
ثلاث وعشرون: أن لا يناظر من يستخف بالعلم وأهله، أو بحضرة سفهاء يستخفون بالمناظرة والمتناظرين. قال مالك: ذل وإهانة للعلم، إذا تكلم الرجل بالعلم عند من لا يطيعه.
أربع وعشرون: أن لا يأنف من قبول الحق إذا ظهر على لسان خصمه، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، وحتى يكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
خمس وعشرون: أن لا يغالط الجواب، وذلك بأن يجيب بجواب غير مطابق للسؤال مثلا: السائل: هل السعودية دولة إسلامية؟ المجيب: القضاء فيها إسلامي. فهذه مغالطة وكان الواجب أن يقول: “نعم”, أو: “لا ” أو لا أدري، فأي جواب من هذه الثلاثة مطابق للسؤال.
ست وعشرون: أن لا يجحد الضرورة فيكون مكابرا، وذلك كمن يجحد عداوة الكفار للمسلمين، أو يجحد أن الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين هي أنظمة كفر، أي أنها لا تحكم بالإسلام.
سبع وعشرون: أن لا يقول قولا مجملا ثم ينقضه بعد ذلك في التفصيل، كأن يقول في أول كلامه: أمريكا عدوة للإسلام والمسلمين، ثم بعد ذلك يقول: إن أمريكا تساعد الفلسطينيين في إقامة دولتهم، وتقرير مصيرهم؛ لأنها تحب العدالة والحرية، أو يقول: إن أمريكا جاءت إلى العراق لتحريره من الظلم والديكتاتورية.
ثمان وعشرون: أن لا يمتنع عن أن يطرد حجته في كل المسائل التي تنطبق عليها، كأن يبيح شراء المساكن في الغرب بالربا بناء على أن الحاجة الخاصة تنزل منزلة الضرورة الخاصة، ثم لا يبيح الحاجات الأخرى كالمأكل والملبس والزواج بالربا، فإن أباحها للحاجة, فقد أباح حراما كثيرا، وإن لم يطرد حجته وقاعدته في كل الحاجات فقد ناقض نفسه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي