بسم الله الرحمن الرحيم
تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة المـائة واثنتا عشرة
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: “قيمة العلم, وقدر العلماء”.
هذه مجموعة من المقولات, قالها بعض العلماء من الصحابة وغيرهم من أهل العلم الذين آتاهم الله علما جما, وفصاحة في اللسان, جمعتها لكم, وقد أحببت أن أضعها بين أيديكم فهي مليئة بالفوائد والعبر, يأنس بها القلب, وتفرح بها النفس, وتشحذ بها الهمم, وتغذى بها العقول, فأرجو الله أن ينفعنا بها وإياكم. أقول: لقد أكرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم من سمت نفوسهم, وارتفعت هممهم في طلب العلم، فقد أخرج الطبراني بسند جيد أن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: “قدمت في وفد ثقيف حين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: من يمسك لنا رواحلنا؟ فكل القوم أحب الدخول على النبي صلى الله عليه وسلم وكره التخلف عنه, قال عثمان: وكنت أصغرهم فقلت: إن شئتم أمسكت، لكن على أن عليكم عهد الله لتمسكن لي إذا خرجتم، قالوا: فذلك لك، فدخلوا عليه, ثم خرجوا فقالوا: انطلق بنا، قلت: أين؟ قالوا: إلى أهلك!! فقلت: خرجت من أهلي حتى إذا حللت بباب النبي صلى الله عليه وسلم أرجع ولا أدخل عليه، وقد أعطيتموني ما قد علمتم؟!! ويذكرهم بالعهد، قالوا: فأعجل، إنا قد كفيناك المسألة، فلم ندع شيئا إلا سألناه. يقول عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه: فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يفقهني في الدين ويعلمني!! قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “ماذا قلت؟” قال عثمان: فأعدت عليه القول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أصحابك، اذهب فأنت أمير عليهم وعلى من يقدم عليك من قومك!!”.
وانظر إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه الذي قال فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب، ومن أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليأت معاذ بن جبل، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني، فإن الله تعالى جعلني خازنا”. أخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. ولما أصيب معاذ بالطاعون وهو بالشام جاءه رجل فجعل يبكي على معاذ، فقال له معاذ: ما يبكيك؟ قال: “ما أبكي على دنيا كنت أصيبها منك، ولكن أبكي على العلم الذي كنت أصيبه منك!” فقال معاذ: “لا تبكه، فإن إبراهيم صلوات الله عليه كان في الأرض وليس بها علم، فآتاه الله علما، فإن أنا مت فاطلب العلم عند أربعة: عند عبد الله بن مسعود، وسلمان الفارسي، وعبد الله بن سلام، وعويمر أبي الدرداء.
هذا ولم تقتصر معرفة قيمة العلم, وقدر العلماء على المسلمين أو على العرب وحدهم بل تعدته إلى غيرهم. يقول أرسطو: “الفرق بين العالم والجاهل، كالفرق بين الحي والميت”. ويقول المثل الصيني: “زين عقلك بالعلم، خير لك من أن تزين جسمك بالجواهر”.
وما أجمل الحوار اللطيف الذي دار بين العلم والعقل، حيث اختلف الاثنان في أيهما أشرف وأكرم وأرفع منزلة العقل أم العلم، فكانت النتيجة هي ما سطره الشاعر حيث قال:
علم العليم وعقل العاقـل اختلفا من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا
فالعلم قال: أنـا أحرزت غايتـه والعقل قال: أنا الرحمـن بي عرفا
فأفصح العلـم إفصاحا وقال له: بأيـنا الله فـي قرآنـه اتصـفا
فبان للعـقل أن العلـم سيـده فقبل العقل رأس العلـم وانصرفا
“العلماء ورثة الأنبياء”. كما أخبر سيدنا وسيدهم محمد عليه الصلاة والسلام أما علماء السلاطين فهم ورثة الشياطين! وقد أبدع الشاعر في وصف هذين الفريقين من العلماء إذ يقول:
فالسابقون مضـوا وما خدعوا الورى بالترهات لأنهم أمـناء
واللاحقون مضوا على أهوائهم أرأيت مـا فعلت بنـا الأهواء
بـدع بها جمعـوا من الأموال ما جمعوا ومجموع الهبـاء هباء
في ذمة العلمـاء هـذا كلـه إن كان فيما بينـنا علمــاء
إن الحكـام يحكمـون الورى وعلى الملـوك يحكـم العلماء
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي