بسم الله الرحمن الرحيم
تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة المـائة وأربع عشرة
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: “طريقة تكوين الشخصية الإسلامية وطريقة تنميتها”.
لما كان الفكر هو الذي يوجد المفاهيم عن الأشياء، ويركز هذه المفاهيم. ولما كان الإنسان يكيف سلوكه في الحياة بحسب مفاهيمه عنها، كان لا بد من تغيير فكر الإنسان الحاضر تغييرا أساسيا شاملا، وإيجاد فكر آخر له حتى ينهض؛ لأنه لا ينهض إلا بما عنده من فكر كلي عن الكون والإنسان والحياة، وعن علاقتها جميعها بما قبل الحياة الدنيا وما بعدها. وسلوك الإنسان مرتبط بمفاهيمه عن الحياة، لذلك فعند إرادتنا تغيير سلوك الإنسان المنخفض, ونجعله سلوكا راقيا كان لا بد من أن نغير مفهومه أولا. قال الله تعالى: { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
والطريق الوحيد لتغيير المفاهيم هو إيجاد الفكر عن الحياة الدنيا حتى توجد بوساطته المفاهيم الصحيحة عنها. والفكر عن الحياة الدنيا لا يتركز تركزا منتجا إلا بعد أن يوجد الفكر عن الكون والإنسان والحياة، وعما قبل الحياة الدنيا وعما بعدها، وعن علاقتها بما قبلها وما بعدها، وذلك بإعطاء الفكرة الكلية عما وراء هذا الكون والإنسان والحياة. لأنها القاعدة الفكرية التي تبنى عليها جميع الأفكار عن الحياة. وإعطاء الفكرة الكلية عن هذه الأشياء هو حل العقدة الكبرى عند الإنسان. ومتى حلت هذه العقدة حلت باقي العقد، لأنها جزئية بالنسبة لها، أو فروع عنها. لكن هذا الحل لا يوصل إلى النهضة الصحيحة إلا إذا كان حلا صحيحا يوافق فطرة الإنسان، ويقنع العقل، فيملأ القلب طمأنينة.
ولما كانت العقيدة الإسلامية هي وحدها العقيدة العقلية التي تقرر ما في فطرة الإنسان وهو التدين, وتقنع العقل, وتملأ القلب طمأنينة؛ لذلك كانت هي وحدها العقيدة الصحيحة. وهي وحدها التي تصلح لأن تكون أساسا صحيحا للتفكير والميول. ومن هنا يجب أن يكون تكوين الشخصية لدى الإنسان بجعل العقيدة الإسلامية أساسا لتفكيره وميوله. لأنها هي وحدها الأساس الصحيح، فيجب أن يجري تكوين الشخصية بجعل العقيدة الإسلامية وحدها الأساس الوحيد لتفكير الإنسان وميوله حتى يصبح شخصية إسلامية أي حتى يكون شخصية سامية متميزة. وعلى هذا فإن تكوين الشخصية الإسلامية إنما يكون ببناء التفكير والميول معا لدى الفرد الواحد على أساس العقيدة الإسلامية. وبهذا يكون قد تكونت الشخصية الإسلامية.
إلا أن هذا التكوين لا يعني تكوينا أبديا، وإنما يعني تكوينا للشخصية. أما أن تبقى هذه الشخصية مبنية على أساس العقيدة الإسلامية فذلك غير مضمون، لأنه قد يجري في الإنسان التحول عن العقيدة في تفكيره، وقد يجري في ميوله. وقد يكون تحول ضلال، أو تحول فسق. ولذلك يجب أن يظل يلاحظ بناء التفكير والميول على أساس العقيدة الإسلامية في كل لحظة من لحظات الحياة، حتى يظل الفرد شخصية إسلامية متميزة. وبعد تكوين هذه الشخصية يعمل لتنميتها بالعمل لتنمية العقلية، والعمل لتنمية النفسية. أما تنمية النفسية فتكون بعبادة الخالق والتقرب إليه بالطاعات, ودوام بناء كل ميل لأي شيء على العقيدة الإسلامية. وأما تنمية العقلية فيكون بشرح الأفكار المبنية على العقيدة الإسلامية وتبيانها بالثقافة الإسلامية.
هذه هي طريقة تكوين الشخصية الإسلامية وطريقة تنميتها، وهي نفسها طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم. فقد كان يدعو الناس للإسلام بدعوتهم للعقيدة الإسلامية حتى إذا أسلموا قوى في نفوسهم هذه العقيدة, ولحظ التزام بناء تفكيرهم وميولهم على أساسها كما ورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به”. والحديث الذي رواه الشيخان عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين”. ثم يأخذ يبين آيات الله التي تنزل عليه من القرآن, ويشرح الأحكام, ويعلم المسلمين الإسلام. فتكونت بين يديه ومن أتباعه الذين ساروا على دربه, شخصيات إسلامية كانت أعلى الشخصيات في الكون بعد شخصيات الأنبياء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي