بسم الله الرحمن الرحيم
تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة المـائة وسبع عشرة
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: “كيف يفكر الناجح؟ وكيف يفكر الفاشل؟”.
ما من إنسان عنده ولو قدر ضئيل من العقل إلا ويود أن يكون ناجحا في حياته بعيدا عن الفشل وسبله، ولكن قليلا منهم من يعرف كيف يفكر الناجح, وكيف يفكر الفاشل. ولذا تجد كثيرا منهم يزعم أنه ناجح في حين أن تفكيره لا يمكن إلا أن يقوده إلى الفشل، بل ربما إلى الفشل الذريع أو الفشل الفذ أو الفشل الذي ليس له مثيل أو الفشل المتميز, أو قل ما شئت من أصناف الفشل المعتبر أو المعتق!!
وإليكم الآن سبعة فروق تميز تفكير الناجح عن تفكير الفاشل، وأنا أدعوكم إلى التأمل فيها بعمق، ثم إلى تغيير نمط تفكيركم لينسجم مع تفكير الناجحين, وليتنافر مع تفكير الفاشلين.
أولا: الناجح يفكر في الحل، والفاشل يفكر في المشكلة: روي أن رجلا جاء إلى سليمان بن داود عليهما السلام وقال: يا نبي الله إن جيرانا يسرقون أوزي فلا أعرف السارق، فنادى: الصلاة جامعة، ثم خطبهم وقال في خطبته: إن أحدكم ليسرق أوز جاره ثم يدخل المسجد والريش على رأسه، فمسح الرجل رأسه، فقال سليمان: خذوه فهو صاحبكم.
ثانيا: الناجح لا تنضب أفكاره، والفاشل لا تنضب أعذاره: خطب المغيرة بن شعبة وفتى من العرب امرأة، وكان الفتى شابا جميلا، فأرسلت إليهما أن يحضرا عندها فحضرا, وجلست بحيث تراهما وتسمع كلامهما، فلما رأى المغيرة ذلك الشاب وعاين جماله علم أنها تؤثره عليه، فأقبل على الفتى وقال: لقد أوتيت جمالا فهل عندك غير هذا؟ قال: نعم، فعدد محاسنه ثم سكت. فقال المغيرة: كيف حسابك مع أهلك؟ قال: ما يخفى علي منه شيء وإني لأستدرك منه أدق من الخردل، فقال المغيرة: لكني أضع البدرة في بيتي فينفقها أهلي على ما يريدون فلا أعلم بنفادها حتى يسألوني غيرها. فقالت المرأة: والله لهذا الشيخ الذي لا يحاسبني أحب إلي من هذا الذي يحصي علي مثقال الذرة، فتزوجت المغيرة.
ثالثا: الناجح يساعد الآخرين، والفاشل يتوقع المساعدة من الآخرين: قال الضحاك بن مزاحم لنصراني: لو أسلمت، فقال: ما زلت محبا للإسلام إلا أنه يمنعني منه حبي للخمر، قال: أسلم واشربها، فلما أسلم قال له الضحاك: قد أسلمت فإن شربتها حديناك، وإن ارتددت قتلناك، فاختر لنفسك، فاختار الإسلام وحسن إسلامه.
رابعا: الناجح يرى حلا في كل مشكلة، والفاشل يرى مشكلة في كل حل: روي أنه خرجت امرأتان ومعهما صبيان، فعدا الذئب على صبي إحداهما فأكله، فاختصمتا في الصبي الباقي إلى داود عليه السلام فقال: كيف أمركما؟ فقصتا عليه القصة، فحكم به للكبرى منهما، فاختصمتا إلى سليمان عليه السلام، فقال: ائتوني بسكين أشق الغلام نصفين، لكل منهما نصف، فقالت الصغرى: أتشقه يا نبي الله؟ قال: نعم، قالت: لا تفعل, ونصيبي فيه للكبرى فقال: خذيه فهو ابنك، وقضى به لها.
خامسا: الناجح يقول: الحل صعب لكنه ممكن، والفاشل يقول: الحل ممكن لكنه صعب: فقد أتي معن بن زائدة بثلاثمائة أسير من حضرموت، فأمر بضرب أعناقهم، فقام منهم غلام فقال: أنشدك الله أن لا تقتلنا ونحن عطاش، فقال: اسقوهم، فلما شربوا قال: اضربوا أعناقهم، فقال الغلام: أنشدك الله أن لا تقتل ضيفانك، قال: أحسنت، وأمر بإطلاقهم.
سادسا: الناجح يعد الإنجاز التزاما يلبيه، والفاشل لا يرى في الإنجاز أكثر من وعد يعطيه: وكم تحسر عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما احتال عليه القائد الفارسي الهرمزان، حيث لما أراد عمر رضي الله عنه قتل الهرمزان استسقى ماء، فأتوه بقدح فيه ماء، فأمسكه الهرمزان في يده واضطرب. فقال له عمر: لا بأس عليك حتى تشربه، فألقى الهرمزان القدح من يده، فأمر عمر بقتله، قال الهرمزان: أولم تؤمني؟ فقال عمر: كيف أمنتك؟ قال الهرمزان: قلت لا بأس عليك حتى تشربه، وقولك لا بأس عليك أمان، ولم أشربه، فقال عمر: قاتلك الله أخذت مني أمانا ولم أشعر.
سابعا: الناجح يقول: عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، والفاشل يقول: اخدع الناس قبل أن يخدعوك.
هذه هي صفات الناجحين عضوا عليها بالنواجذ، كما أن هذه هي صفات الفاشلين، تعلموها, ولكن فروا منها واحذروا أن تمارسوها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي