وقفات مع النفس- ما بين العبادة والعادة
وقفات مع النفس
الوقفة الرابعة
ما بين العبادة.. والعادة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله القائل (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) فالإسلام دين الفطرة حيث لم يقل صلى الله عليه وسلم أو يمسلمانه .
والمسلمون والحمد لله كثيرون ،، ممن ينطق بالشهادتين ويصلي ويصوم ويزكي ويحج إن استطاع ،،
ولكن هل كلهم مسلمون حق الإسلام !! هل من يردد الشهادتين بأن لا إله إلا الله محمد رسول الله يعطيها حقها من الأفعال والسلوكيات مما يجسد هذا التسليم !!
نسمع الآن من يقول أنا مسلم بالوراثة ،، خرجت إلى الدنيا فوجدت والدي مسلمين ،،عودني أهلي على الصلاة فلا أضيع فرضاً ،،عودني أهلي على الصيام منذ صغري فلا أفطر رمضان .
إنني أحفظ القرآن كاملاً ،،واختمه أكثر من مرة في الشهر أو السنة ،،ابنتي تلبس الجلباب منذ صغرها وهي ملتزمة به ،.
كل هذا جميل ورائع ،، ولكن هل نستشعر تلك العبادات ونستشعر أجرها عند الله !! هل نشعر بلذة طاعة الله ونحن تؤديها ؟!هل نشعر فعلاً بصلتنا مع ربنا من خلال تلك العبادات !! أم هي مجرد عبادات نقوم بها كما اتفق ولأننا اعتدنا عليها !!أي هل الأعمال والشعائر التي نقوم بها عبادة أم عادة ؟!
نصلي بلا خشوع ،، ونقرأ القرآن أو نسمعه دون تمعن !! بل إن البعض يلتفت إلى جمال صوت القارئ أكثر مما يلتفت إلى معاني القرآن وتَدَبُّرِهَا .
فلو نظرنا إلى الصلاة مثلاً ماذا نرى ؟ عدد لا بأس به منا تعود على الصلاة والحمدالله ان التربية الصالحة لها الدور الكبير والفعال في هذا الجانب ولكن لا بد من استشعار العبادة هنا ولا تكون تلك العبادة مجرد حركات رياضيه فقط ربما لا يعلم مؤدي تلك العبادة ماذا قرأ الامام ولا تدري تلك المرأة ماذا قرأت هي حتى أصبحنا في كثير من الأحيان لا نحس بطعم تلك العبادة العظيمة والتي هي عمود الدين فعندما تفوت الصلاة هذا الرجل لا يشعر باي نوع من الحرقة على فوات تلك العبادة وكذلك المرأة أصبحت كثير من النساء من العادي جدا أن تؤخر صلاتها إلى وقت قريب جدا من دخول الصلاة الأخرى ،فلو علمت تلك المرأة عظم تلك العبادة وأحست بلذتها لسارعت الى الصلاة بخشوع وخضوع واستشعار لتلك الشعيرة.
أيضاً في حالة الصيام لا بد لنا من استشعار هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الاسلام فهناك عدد من الناس يصوم رمضان على سبيل المثال فقط لأن الجميع يكون صائما وهو تعود على ذلك في هذا الشهر الفضيل وحينما تنظر الى أفعاله وأقواله تجدها أبعد ما تكون عن شخص صائم بجوارحه.
ولو نظرنا الى سلوكيات كثير من المسلمين ونحن جزء منهم في ذلك فماذا نرى ؟؟ زيادة في إنفاق النقود على الأكل وتفنن في صنع أنواع المأكولات والمشروبات بحيث تقضي ربة البيت جل نهارها في المطبخ وكأنهم يريدون الانتقام من ساعات الصيام الطويلة بهذا الأكل والشرب !!
نرى زيادة عدد الولائم وأفطار الصائمين ولكن أي صائمين واي ناس ؟ هل هم للفقراء والمساكين وذوي
الأرحام ؟هل تكون الولائم لرضى الله تعالى ولينال أجر تفطير صائم أم للمباهاة والمفاخرة والرياء والنفاق ؟! المساجد تمتلىء بالمصلين وتراها بعد رمضان خاوية إلا من قلة ،، وكأن الله سبحانه طلب صلاة الجماعة والمساجد فقط في رمضان .
ولنأت إلى المرأة ولباسها الشرعي فهناك عدد من النساء من يطلق عليهن محجبات ولكن للأسف الشديد عدد منهن انطبق عليها حديث الرسول عليه الصلاة والسلام ( كاسيات عاريات مائلات مميلات ) فلباسهن بعيد عن مواصفات اللباس الشرعي المطلوب فلو كانت تلك المرأة استشعرت الأجر والغاية من الحجاب لما ظهرت بتلك الطريقة ،ولانعكس ذلك على أخلاقها وسلوكياتها وشكلها العام فتلك النساء يعلمن ان تلك فريضة من الله عز وجل ولكنهن ما علمن حقيقتها ولا استشعرن فضلها والغاية منها . ومنهن من تلتزم باللباس الشرعي فقط في رمضان وكأنه سبحانه موجود فقط في هذا الشهر حاشاه سبحانه .
وهناك عدد من النساء قد التزمن لبس الجلباب والعباءة ولكن هذا فقط لأن الأهل ملتزمون بمعنى لو أنها وجدت أهلها على غير الالتزام لربما سلكت مسلكهم باختصار اخذت الحجاب والعباءة وراثة عن الأهل فقط لا غير ، ومنهم من لبسنه تحت غطاء كلمة عيب وليس حرام ،ولهذا نراهن يخلعنه إذا خرجت المرأة أو الفتاة من بلدها أو منطقة سكنها .
ولنعرج في طريقنا في هذه الوقفة على قارئ القرآن ،فنسمع من يتفاخر بأنه يحفظ أجزاء من القرآن الكريم أو حتى يحفظه كله ويتلوه أكثر من مرة ، وهذا طبعا شيء رائع ومطلوب أن نحفظه ونتلوه ، ولكن هل القراءة والحفظ يكفيان ؟ أصبح وكأنه مقتصر على قراءته في رمضان وفي المآتم !! ولنتساءل هل تنفع قراءته بلا تدبر ولا فهم ولا تطبيق ؟ إن القرآن كتاب للحياة، ومنهج للتطبيق والتنفيذ وليس للقراءة فقط في رمضان والمآتم ، يقول تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) .
قال الحسـن البصري في كلام له: قال الله -عز وجل-: “كتابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ” وما تدبُّرُ آياته إلا اتباعه، وليس الله بحفظ حروفه، وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: قد قرأت القرآن كله فما أسقطت منه حرفاً، وقد أسقطه والله كلَّه.
لو أتينا للأمر من جانب آخر ،لماذا لا نحول عاداتنا إلى عبادة ؟! هناك أعمال تأخذ من وقتنا الكثير فلماذا لا نحولها إلى عبادات؟! ستقولون كيف يمكن ذلك ؟ أقول لكم عن طريق النية التي تحوِّل العادة إلى عبادة.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى , فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله , فهجرته إلى الله ورسوله , ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها , فهجرته إلى ما هاجر إليه )متفق عليه). فلماذا لا نجدد النية في كل عمل نعمله؟
فعندما تقوم الزوجة والأم بواجبها تجاه عائلتها وزوجها وأولادها وبيتها، فلم لا تقوم به لأجل عبادة الله فهو عبادة تؤجر عليها… ألم يقل الرسول المصطفى صلوات الله عليه “كما رواه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت.ورواه ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه .
لماذا لا تضعي النية عند تربيتك لأولادك ورعاية شؤونهم بأن تربي جيلاً مسلماً مؤمناً ليقوم بتطوير الأمة الإسلامية وارتقائها .. أمة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام والنهوض بها والتفوق على الكفار وإرجاع عهد الأمة الإسلامية الذهبي المزدهر؟!
لماذا لا تجددي النية في تربية أبنائك المسلمين ليكونوا كأمثال عمر بن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي وقولي هذه عبادة خالصة لوجهك الكريم؟!
وكذلك أنت أيها الأب ، لماذا لا تكون رعايتك لعائلتك وسعيك لتوفير الحياة الكريمة لهم وتربيتهم على الإسلام بنية اتباع أوامر الله في الرعاية والقوامة وليس فقط حتى تكون لهم مكانة اجتماعية وتمتع بنعم الحياة وعيش حياة يحسدهم عليها الآخرون ؟!
وكذلك الطالب والعامل والتاجر والصانع وغيرهم ،، فبدل أن يسعى كلٌ لهدفه فقط لأغراض دنيوية ونيل مكانة اجتماعية ومادية مرموقة ، فلماذا لا يكون امتثالاً لأمر الله عز وجل بطلب العلم وإتقان العمل وإعمار الأرض واضعاً نصب عينيه تقوى الله ومخافته مما يبقينا متعلقين بخالقنا عز وجل ؟! قال تعالى :
{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
أسأل الله العلي العزيز الكريم ان تمتلأ حياتنا بالطاعات والعبادات وأن نخلص النية لله الواحد القهار في كل شيء.وأن يتقبل عبادتنا وطاعاتنا .
وإلى لقاء آخر ووقفة أخرى مع النفس ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .