أزمة الكنانة هي الرأسمالية التي تحكمها ولن تخرج منها إلا باقتصاد إسلامي تطبقه خلافة على منهاج النبوة
أزمة الكنانة هي الرأسمالية التي تحكمها
ولن تخرج منها إلا باقتصاد إسلامي تطبقه خلافة على منهاج النبوة
قديما في زمن سيدنا يوسف عليه السلام أتت السبع العجاف على كل الدنيا ومدت الكنانة يدها تفيض بالخير الذي حباها الله به على الجميع، وفي عام الرمادة أرسل عمرو بن العاص قافلة أولها في المدينة وآخرها في مصر، حتى في عصور الملكية المتأخرة والتي تلت سقوط الخلافة العثمانية ومع وجود بقايا من نظام إسلامي مطبق وفي وجود غطاء ذهبي للجنيه الورقي المصري يمكّن حامله من استبدال الذهبي به متى أراد ذلك (الجنيه الورقي = الجنيه الذهبي)، حينها كان راتب العالم على سبيل المثال لا يتعدى العشرة جنيهات، كانت كافية ليس لسد الحاجات الأساسية فقط بل ليدخر منها ويشتري أراضي وعقارات.
من يستعرض واقع الكنانة وموقعها يُبصر كمّاً هائلا من الثروات والموارد الدائمة والمتجددة، يكفي واحد منها ليصبح أهل الكنانة كلهم أغنياء، إلا أنها وللأسف كلها منهوبة، سلبها الغرب الكافر جهارا نهارا من خلال نظامه الرأسمالي الذي فرضه على الناس بواسطة عملائه من الحكام الخونة، حتى أصبحت الكنانة تستجدي قوتها وصرنا نسمع نداءات التسول التي يطلقها النظام ليل نهار، ناهيك عن حزم القرارات والقوانين التي تفرغ ما تبقى في جيوب الناس من أموال، ولن نكون كغيرنا نفتح جراح الأمة دون أن نملك العلاج ولا نشير على الأمة بكيفية التداوي من ألم جراحها النازفة، بل سننكأ الجرح ونشخص الداء ونصف له خير دواء إن شاء الله.
إن أزمة الكنانة ليست في فقر الأفراد ولا عجز الموارد والثروات عن تلبية الحاجات، ولا في قلة الإنتاج ولا ارتفاع الأسعار ولا التضخم ولا البطالة، ولا حتى ندرة الدولار والعملة الصعبة، وإن كانت كل هذه المشكلات موجودة فعلا إلا أنها ليست إلا أعراضاً لداء عضال أصاب جسد الأمة واستشرى في أوصالها، وإن أزمة الكنانة في حقيقتها هي في تطبيق النظام الاقتصادي الرأسمالي الجشع القائم على النفعية المطلقة والذي فرض على الناس التعامل بالربا وأجبرهم على تقاضي أجور أعمالهم أوراقاً لا قيمة لها، بل تزيد العبء عليهم مع حجم التضخم المتنامي بسبب فقدان العملة الورقية لقيمتها لعدم وجود غطاء ذهبي لها.
إن الأزمة في ذلك النظام الذي يدير ثروات الكنانة وأموالها ومواردها ويجعل وجهة نظره في الحياة هي الأساس في رؤيته لكيفية اكتسابها وتوزيعها وتملكها، الأمر الذي مكن الغرب وعملاءه من نهب كل ثروات الأمة، وركز الثروة في يد فئة قليلة هي النخبة الفاسدة المرتبطة بالغرب والعملاء، بل والأكثر من ذلك أنه تملص من كل ما فيه رعاية لشئون الناس، وانتهج سياسات تزيدهم شقاء فوق شقاء وفقرا فوق فقر تنفيذا لشروط وإملاءات الغرب الكافر متمثلا في صندوق النقد الدولي، فرأينا في الآونة الأخيرة اتجاهاً لفرض ضرائب جديدة بمسميات مختلفة كالضريبة المضافة على سبيل المثال، ثم الاتجاه لتقليص حجم الدعم على المحروقات من جديد تمهيدا لرفعه بالكلية عن الطاقة سواء الكهربية أو غيرها، علما أن هذه المحروقات تقع أصلا ضمن الملكية العامة المملوكة في الأصل للرعية والتي لا يجوز للدولة أن تبيعها لرعاياها ولا أن تتربح منهم من خلالها، وقريبا سنرى ارتفاعا هائلا في أسعار الطاقة يضاف إلى ارتفاعاتها السابقة، الأمر الذي سيزيد أعباء أهل الكنانة الثقيلة بالفعل، حتى إنهم بخلوا على أهل الكنانة بعملة معدنية يتيمة ذات قيمة ذاتية واستبدلوا بها أخرى ورقية لا قيمة لها، كل هذا وأهل الكنانة صابرون على ما يحاك لهم ويحيق بهم، حتى صاروا إلى فقر مدقع وهم شعب يعد من أغنى شعوب الدنيا يعيش على أرض وفيرة الخيرات، ولا يحتاج إلا لأن تدار بشكل صحيح على أساس يضمن حقوق الجميع.
إن واقع الكنانة شديد الألم؛ فمن بين سياسة الإفقار المنظم والمستمر من قبل النظام، نرى تلك الآلة العسكرية الموجهة تجاه أهل الكنانة لقمع كل صوت معترض في مهده قبل أن يصبح له صدى مسموع بين الناس، إلا أن هذا لن يشبع جوعة الناس التي تزداد يوما بعد يوم، بل سيزيد حالة الاحتقان التي تؤذن بانفجار يطيح بكل ما يقف في طريقه، وسواء حدث هذا الانفجار أم تأخر حدوثه فأرض الكنانة تحتاج نظاماً جديداً ينظر إلى ثروتها ويتعامل معها على أساس يضمن حقوق الجميع بغض النظر عن الدين أو اللون أو العرق أو الطائفة أو الغنى والفقر، ولا يضمن هذا إلا الإسلام بنظامه المحكم المنزل من العليم الحكيم والذي جربناه على مدى ثلاثة عشر قرنا من الزمان رأينا فيها كيف كانت الرعاية؛ فالإسلام جعل لرعاية شئون الناس وسد حاجاتهم الأساسية أحكاما ملزمة للدولة فيجب عليها أن توصل رعاياها لحد الكفاية في المأكل والملبس والمشرب وأن توفر لهم الرعاية الصحية والتعليم على أفضل ما يكون وبالمجان، ولعلنا نسمع عن بقايا الدولة وأوقاف طلبة العلم وكيف كانت البيمارستانات (المستشفيات) في بلادنا بينما كانت أوروبا غارقة في بحور الجهل، إلا أن تطبيق هذه الأحكام ورعاية الناس بها يحتاج إلى دولة الخلافة على منهاج النبوة التي يعمل لها حزب التحرير ويذكر بها الأمة.
إن الكنانة ليست بحاجة إلى قروض جديدة من صندوق النقد الدولي تزيد ارتهانها وتبعيتها للغرب وإنما هي بحاجة لمن ينعتق من هذه التبعية ويجلس مجلس الملك الذي استدعى يوسف من محبسه وجعله على خزائن الأرض لما أدرك أنه يملك معالجات ليست من عقل بشر وإنما من وحي الله، معالجات قادرة على إدارة ثروات الكنانة وإعادتها إلى مستحقيها بشكل صحيح يضمن إشباعهم لحاجاتهم ورعايتهم على الوجه الذي يرضي الله ويرضيهم، وها هنا حزب التحرير يضع بين أيديكم مشروع الأمة الكامل الذي يضمن رخاءها ونهضتها والقضاء على كل مظاهر الفقر فيها، ولا نقول إننا نملك عصا سحرية سنغير بها ولكننا نملك رؤية واضحة أساسها وحي الله المنزل على نبيه ﷺ والذي قسم الملكيات بشكل صحيح وضرب الملكية العامة ومنع الدولة من التصرف فيها بالبيع أو التأجير أو الهبة بل جعلها تحت تصرف الدولة لتنتجها وتعيد توزيعها على الرعية بشكل كامل يضمن عدم تركز الثروة في يد فئة من الناس دون باقي الرعية، وهذا يقع على كل ما هو من الموارد الدائمية أو شبه الدائمية وما أكثرها في أرض الكنانة، إلا أنها كما أسلفنا تحتاج إلى دولة الخلافة على منهاج النبوة وتحتاج إلى حزب مثل حزب التحرير يحمل مشروعها، ورجال ينصرونه ويحتضنون فكرته كما احتضن الملك أفكار يوسف وكما نصر أنصار الأمس رسول الله ﷺ، فهل من رجل رشيد في جيش الكنانة يقف لله رافضا أن يكون ذيلاً للغرب ويعلنها أن هلموا يا شباب حزب التحرير تقدموا وانهضوا بالكنانة والأمة وأروا الله منا ومنكم ما يحب فيفوز وتفوز الكنانة والأمة، اللهم عاجلا غير آجل.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الله عبد الرحمن
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر