جواب سؤال
ما الذي يجري حالياً في الأزمة السورية؟
السؤال:
انهارت الهدنة التي بذلت أمريكا وروسيا اجتماعات مطولة لتصميمها لدرجة أن بعض الاجتماعات كانت تستمر بين كيري ولافروف حتى عشر ساعات! وهللت أمريكا وروسيا لها وأنها تختلف عن الهدن السابقات، وأن أمريكا ستضمن تنفيذها من جهتها والمعارضة… وروسيا تضمن تنفيذها من جهتها والنظام… وإذ بها تنهار وتتبادل أمريكا وروسيا التهم بأن كلاً منهما وراء إفشالها! فهل يعني ذلك أن مشوار الهدن سيئ الذكر قد انتهى؟ وإن لم يكن قد انتهى فما الذي يجري حالياً في الأزمة السورية؟ وجزاكم الله كل الخير.
الجواب:
إن مشوار الهدن سيئ الذكر لم ينته عند أمريكا، وإنما الوقائع الجارية ألزمتها أن تعيد النظر فيه لتعديله واتخاذ ما يمكن تسميته: “استراحة المهادن” لمزيد من عمليات قصف مكثفة للتأثير في الفصائل وفي الناس ليخضعوا للّقاء الجديد بين النظام والمعارضة وفق اتفاق الهدنة المعدل الذي تعده أمريكا خلال تلك الاستراحة! وذلك لأن أوباما يريد أن ينهي عهده بشيء من الحل لموضوع سوريا أو على الأقل جمع النظام والمعارضة في لقاء يُضفي على عهده نجاحاً ولو ضئيلاً وذلك أسوة بما حاوله الرئيس الديمقراطي قبله كلينتون بالنسبة للقضية الفلسطينية، ومع أن كلينتون لم يحقق ما أراد إلا أن أوباما لم يعتبر فظن أنه يستطيع أن يصنع ما لم يصنعه الأوائل، ولم يدر أن فشله يفوق فشل سلفه!… وحتى يكون الأمر واضحاً فلا بد من استعراض الأمور التالية:
1- اهتمت أمريكا في فرض الهدنة بشكل جاد عندما تمكنت روسيا والنظام من الحصار الكامل لحلب بعد السيطرة على أجزاء رئيسة من طريق الكاستيلو خلال أعمال القصف المكثف من روسيا والنظام حيث تواصلت الغارات بشكل مكثف، وحسب مراسل الجزيرة في 2016/7/7 (… فقد زاد عدد الغارات التي شنتها الطائرات الروسية وطائرات النظام على حلب عن مئة غارة…)، فتمكن النظام من السيطرة على الطريق بعد انسحاب المعارضة (أفاد مراسل الجزيرة نقلا عن مصادر عسكرية بانسحاب مقاتلي المعارضة السورية المسلحة من مواقعهم التي سيطروا عليها في محيط طريق الكاستيلو شمال حلب لأسباب عسكرية…) (الجزيرة، 2016/7/10)، ثم توالت الغارات المكثفة ما أدى إلى أن تتمكن قوات النظام مدعومة من روسيا وإيران والمليشيات والأتباع من حصار حلب في 2016/7/26 (أحكمت قوات النظام السوري الحصار على أحياء حلب الشرقية بعد سيطرتها الثلاثاء على مجمع الكاستيلو شمالي المدينة…) (الجزيرة، الأربعاء 2016/7/27)… في هذه الأجواء وخلال لقاء وزير الخارجية الأمريكي مع وزير الخارجية الروسي في فينتيان عاصمة لاوس 2016/7/26، وعد كيري الصحفيين بأن يكون في وضع يخبرهم – أي الصحفيين – عن خطوات إيجابية لتغيير حالة الحرب في سوريا بداية آب/أغسطس 2016، بعد أن اطمأن إلى تقدم النظام في طريق الكاستيلو بدعم روسي إيراني، ومن ثم حصار حلب، حيث كان كيري يريد إقرار الهدنة عند تحقق هذا الحصار.
2- لكن ذلك لم يحصل بسبب العمليات العسكرية الجدية التي خاضها الثوار جنوب حلب وتمكنوا خلالها من فك الحصار من عقدته الأشد قسوة، جنوب حلب ومنطقة الكليات العسكرية، وذلك بعد تمكن الثوار من أخذ حي الراموسة جنوب حلب وفتح الطريق إليها، أي فك الحصار، فكانت عمليات فك الحصار عن حلب بمثابة ضربة شديدة للخطط الأمريكية التي ترى ضرب الثورة السورية في بؤرتها الأقوى والأسخن في حلب، فجن جنون أمريكا وروسيا، فوصفت روسيا عن طريق وزير خارجيتها سيرغي لافروف عمليات الثوار تلك “بالأعمال الوقحة”، وهذا يدل على أن روسيا وأمريكا كانتا تظنان أنهما قد أخضعتا الثورة في سوريا، وتم دفعها في اتجاه الضمور.
3- ومن أجل إنجاح الخطط الأمريكية التي باتت تركز على حلب كان لا بد من إعادة فرض الحصار عليها، وهنا عملت أمريكا على محورين لإعادة الحصار على حلب:
الأول: إدخال الجيش التركي إلى شمال سوريا، بدءًا بمنطقة جرابلس فيما أعلنت عنه تركيا بعمليات “درع الفرات”، واستدعاء الثوار “الموالين لتركيا” من جنوب حلب لقتال تنظيم الدولة، أي إضعاف جبهات القتال الحقيقية في حلب وخلق جبهات جديدة للاقتتال الداخلي، ودفع ما أمكن من الثوار بعيداً عن جبهة القتال في حلب!
وأما الثاني: فكان مزيداً من حشد إيران للآلاف من أتباعها وإرسالهم إلى جنوب حلب، وإعلانات حزبها في لبنان بإرسال قوات النخبة إلى جنوب حلب، وكذلك حركة النجباء العراقية، وفي الوقت نفسه قامت روسيا بتكثيف كبير لغاراتها على منطقة الراموسة…
وبهذين المحورين تم لأمريكا تمكين النظام وحلفائه من إعادة فرض الحصار على حلب، ووضعت الأحياء الشرقية فيها على طاولة المكائد الأمريكية تحت عناوين “ضرب الإرهابيين” و”المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في حلب”، وعندها أصبح الوقت مواتياً لأمريكا لتعلن اتفاقها مع روسيا وفرض “وقف الأعمال القتالية”، فتم ذلك خلال اجتماع وزراء خارجية الطرفين أمريكا وروسيا في جنيف دام لأكثر من عشر ساعات، وكان وزير الخارجية الأمريكي كيري خلالها على اتصال مع إدارات الأمن وخاصة البنتاغون في واشنطن لضمان تحقيق الطلب الروسي بتنفيذ عمليات أمريكية روسية مشتركة وعلنية ضد الجماعات التي لا تلتزم بوقف إطلاق النار.
4- أعلنت أمريكا وروسيا تاريخ 2016/9/12 لوقف “الأعمال القتالية” في سوريا وذلك بعد أن اطمأنت بفرض جيش النظام وحلفاء إيران وروسيا الحصار من جديد على حلب… ثم إن هذا التاريخ كان يبدأ من مساء أول أيام عيد الأضحى المبارك، وذلك لاستغلال فكرة “العيد” لتحسين فرص القبول بوقف النار في سوريا.
5- كانت أمريكا جادة في إخراج هذا الاتفاق وتنفيذه (واعتبر وزير الخارجية الأمريكي كيري هذا الاتفاق الروسي الأمريكي بأنه قد يكون الفرصة الأخيرة للحفاظ على سوريا علمانية وموحدة…) (قناة الجزيرة، بث مباشر لخطاب كيري، 2016/9/12)، وذلك لأنها تحقق لها هدفها بفرض وقف الأعمال القتالية تمهيداً لوضع القضية السورية على مقصلة مفاوضات جنيف… ومن ناحية أخرى فإن هذه الخطة تحقق بتزامنها مع الانتخابات الأمريكية مكاسب سياسية للحزب الديمقراطي، تلك المكاسب التي بسببها ظهر استعجال أمريكا لتحقيق إنجاز لإدارة أوباما في سوريا في نهاية حقبتها. وفي الوقت ذاته هللت له روسيا لقرب إطلاق موجة من العمليات العسكرية المشتركة والعلنية مع أمريكا، وهو مطلب روسي قديم ترى فيه أساساً لاستمرار خدمتها لأهداف أمريكا في سوريا، وذلك تحسباً مما قد يكون مجهولاً من سياسة الإدارة الأمريكية القادمة التي ستعقب إدارة أوباما.
6- لكن الأمور قد سارت على عكس ما تريده أمريكا، وظهر أمامها أمران لم يكونا في حسبان أمريكا وهما:
الأول: أنه على رغم كل الجرائم التي صنعتها أمريكا في سوريا مباشرة بتحالفها أو عن طريق أحلافها روسيا وإيران ومليشياتها في العراق ولبنان وأشياعهم، ورغم أن اتفاق الهدنة عقد خلال حصار خانق وبخاصة في حلب ما جعل أمريكا هي وأحلافها وأوباشها يظنون أن أهل سوريا سيوافقون على الهدنة إلا أن العكس هو الذي حدث… فقد كانت المسيرات تخرج في ظل الحصار وظل منع المساعدات الغذائية، بل وقصفها، تخرج المسيرات منددة بقوة باتفاق الهدنة ما شجع عدداً من الفصائل على إعلان أنها غير معنية بهذا الاتفاق، وإن وقفت تنتظر! وعارضت فصائل أخرى توجهات أمريكا وفق الاتفاق نحو توجيه ضربات مشتركة مع روسيا للجماعات التي تسميها “إرهابية”، وهناك فصائل أخرى عارضت الاتفاق بشكل كامل… ليس هذا فحسب، بل إن تحركات الناس الضاغطة منعت حتى الفصائل الموالية لعملاء أمريكا من إظهار موقفها المؤيد واضطرتها لأن تخفيه وراء ستار ما جعل أمريكا تدرك أن اتفاق هدنتها في ظل الواقع الرافض له ليس ذا جدوى كما تريد… لكن الذي أذهب صوابها خلال محاولتها تطبيق تلك الهدنة ذلك الحدث الصارخ برفض بعض جهات المعارضة استقبال أفراد القوات الخاصة الأمريكية شمال سوريا بعد أن هلل أردوغان ببدء المرحلة الثالثة من “درع الفرات” بمشاركة قوات أمريكية، وأدخلت القوات الأمريكية لشمال سوريا… لكنها فوجئت برفض شديد من المعارضة، ليست التي تسميها متطرفة، بل أيضاً من التي تسميها معتدلة، برفضها القتال بجانب القوات الخاصة الأمريكية وكان الرفض مصحوباً بصيحات تسمي تلك القوات بـ”الصليبية”، وذلك كما تناقلت وسائل الإعلام هذا الحدث في 2016/9/16: (أظهرت لقطات فيديو تناقلتها حسابات ناشطين وصحافيين على “تويتر” ما يبدو أنه جنود من القوات الخاصة الأمريكية يغادرون بلدة الراعي في حلب، بعدما تعرضوا لإهانات من مقاتلين يعتقد أنهم من “الجيش السوري الحر”. ويأتي هذا الفيديو في الوقت الذي نسبت فيه صحيفة “الوول ستريت جورنال” إلى مسؤولين أمريكيين أن الرئيس باراك أوباما وافق على إرسال نحو أربعين من قوات العمليات الخاصة إلى سوريا للعمل مع القوات التركية في شمال سوريا… وتظهر اللقطات في بلدة الراعي مقاتلين يطلقون هتافات معادية لأمريكا في وقت كانت قافلة من شاحنات تنقل قوات أمريكية… ويسمع في الفيديو رجل يقول: “الأمريكيون لا مكان لهم بيننا… يريدون شن حرب صليبية لاحتلال سوريا”…) (موقع البوابة، 2016/9/16)، ونقلت نحوه صحيفة ديلي تليغراف في 2016/9/16…
هذا الأمر الأول جعل أمريكا ترى أنها بحاجة إلى استراحة مهادن! لمزيد من القصف انتقاماً من أهل سوريا الذين وقفوا ولا يزالون في وجه جرائم أمريكا ومخططاتها، ظناً من أمريكا أن زيادة القصف تجعلهم يخضعون، وظنها سيرديها إن شاء الله.
وأما الثاني، فإن اتفاق الهدنة لم يكن عسكرياً إغاثياً فحسب بل كان كذلك حلاً سياسياً، فأوباما كان يتطلع إلى أن ينهي عهده بحل في سوريا يحفظ نفوذ أمريكا، ومن ثم يُذكر له ويساعد المرشحة الديمقراطية في الانتخابات… فقد ذُكر في الأنباء أن الاتفاق نحو خمس وثائق: اثنتان منها عن وقف الأعمال القتالية والمساعدات الغذائية، وهاتان تم الكشف عنهما… وقد رفضت أمريكا الكشف عن الوثائق الثلاث الأخريات لأنها كما يبدو تتعلق بالحل السياسي ويرجح أنها تكشف خداع أمريكا للمعارضة المعتدلة بأنها معها، فلا يستبعد أن يكون مسطوراً فيها بقاء الطاغية بشار رئيساً للحكومة الانتقالية وحتى الانتخابات بعد ذلك! ومن ثم لا تريد أمريكا كشف ذلك إلى أن تفرغ من الترويض العسكري والإغاثي… وكانت متفقة مع روسيا على هذا الأمر، وسارت الأمور في البداية بهدوء، ويبدو أن أمريكا غاب عنها أن أوروبا، وقد أقصتها أمريكا عن الأحداث الجارية في سوريا، لن تدخر وسعاً في أن “تشاغب” عليها في أية فرصة متاحة حتى وإن كان معلوماً أن أوروبا لا دور فاعلاً لها في الأزمة السورية، ولكن يمكنها إحراج أمريكا… وهذا ما كان! فقد حاولت أوروبا استغلال هذه النقطة فقد طالبت فرنسا أمريكا وبصوت عالٍ بكشف بنود الاتفاق لحلفائها، فقد طالب وزير الخارجية الفرنسي أمريكا اطّلاع حلفائها على تفاصيل الاتفاق مع روسيا حول وقف إطلاق النار في سوريا… (قال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت اليوم الخميس 15 أيلول/سبتمبر إن فرنسا تريد الاطلاع على نص اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا الذي توصلت إليه الولايات المتحدة وروسيا حتى لا يحدث لبس فيما يتعلق بمن المستهدف على الأرض…) (موقع DW عربي، 2016/9/15).
والظاهر أن الأوروبيين قد تعمدوا إحراج أمريكا وروسيا معاً بأن الاتفاق يحتوي بنوداً خطرة…! حتى إن روسيا تأثرت وحاولت أن تنجو بجلدها! فطلبت عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لتوفير غطاء أممي للاتفاق الأمريكي الروسي، (وأوضحت زاخاروفا – الناطقة باسم الخارجية الروسية – هدف موسكو من هذا المطلب المهم، مشيرة إلى أن الاتفاق يتشكل من “عدة وثائق، تم اعتمادها، والاتفاق عليها خلال عملية التفاوض… وأن الجانب الروسي في بداية المفاوضات وفي أثنائها، وبعد التوصل إلى اتفاق نهائي، عرض بالفعل، بل حث الجانب الأمريكي على نشر هذه الوثائق، وضرورة أن يتم ذلك؛ كي لا تصبح هذه الاتفاقات موضع تكهنات”…) (عربي21، 2016/9/16). لكن جلسة مجلس الأمن الطارئة ليلة 2016/9/16 ألغيت بسبب إصرار أمريكا على عدم كشف بنود الاتفاق، وبطبيعة الحال فروسيا لا تستطيع كشفها منفردة لأنها تعمل في سوريا بموافقة أمريكا!
هذا الأمر الثاني جعل أمريكا تفادياً لهذا الحرج أن تكتفي من الغنيمة بالإياب! فرأت أن تعيد صياغة اتفاق الهدنة فيكتفي أوباما بشيء من هدنة تفضي إلى ما دون الحل بل لعله لقاء بين النظام والمعارضة ومن ثم يفرغ الاتفاق الجديد من الوثائق المحرجة!
7- على ضوء هذين الأمرين اللذين واجها أمريكا رأت أن تأخذ “استراحة مهادن” لمزيد من عمليات قصف مكثفة للتأثير في الفصائل وفي الناس ليخضعوا للّقاء الجديد بين النظام والمعارضة وفق اتفاق الهدنة المعدل الذي تعده أمريكا خلال تلك الاستراحة! ولتبرير توقيف الهدنة فترة من الوقت على النحو المذكور، وإبعاد الشبهة عن أن أمريكا هي وراء وقف الهدنة ومضاعفة القصف بترتيب مع روسيا والنظام، فقد اتخذت أمريكا الإجراءات التالية:
أ- أخبرت روسيا: (بصعوبة الفصل بين المعارضة المعتدلة و”الإرهابيين” في سوريا…) (قناة الحدث، 2016/9/19).
ب- جعلت النظام يعلن انتهاء الهدنة ويبدأ بالقصف ومن ورائه روسيا… كما تناقلت ذلك وسائل الإعلام المختلفة: (أعلنت قوات النظام السوري اليوم الاثنين انتهاء الهدنة التي استمرت سبعة أيام بوساطة أمريكية روسية دونما إشارة إلى أي احتمال لتجديدها…) (الجزيرة، 2016/9/19)
ج- افتعلت الخلاف مع روسيا، وأصبح كل طرف منهما يتهم الآخر بأنه وراء إفشال الهدنة:
(وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إنه في ظل هذه الانتهاكات الصارخة لاتفاقات وقف إطلاق النار التي نص عليها الاتفاق الأخير مع روسيا، فإن الولايات المتحدة ستعيد تقييم كل العلاقات المستقبلية مع روسيا في الشأن السوري…) (الجزيرة نت، 2016/9/20)… (… وتتبادل روسيا والولايات المتحدة الاتهامات منذ أيام حول إعاقة تنفيذ الاتفاق، إذ رأت موسكو أن واشنطن لم تف بالتزاماتها بالهدنة، وخصوصاً في ما يتعلق بتحديد مناطق وجود الفصائل المعارضة وعناصر جبهة فتح الشام، في حين هددت واشنطن بعدم التنسيق عسكرياً مع روسيا في حال عدم إدخال المساعدات إلى المناطق المحاصرة…) (الخليج أونلاين، 2016/9/24) انتهى
د- حرَّكت أمريكا خلافاً بين البنتاغون وبين الخارجية، وأن البنتاغون يعترض على شروط الهدنة، وكأن الهدنة عقدت بين يوم وليلة دون أن يعلم بها البنتاغون! علماً بأن المفاوضات كانت تجري على سمعهم وبصرهم، ولو كانوا معترضين لاعترضوا من قبل، وليس بعد انتهاء الهدنة، هذا مع أن الهدنة التي فرضت في 2016/9/12 قد مددت في 2016/9/14 بموافقة البنتاغون! (… بعد إعلان الاتفاق على تمديد الهدنة في سوريا 48 ساعة جديدة، أفادت مراسلة “العربية” في واشنطن بأن البنتاغون رحب بهذا التمديد مساء الأربعاء… وكان وزيرا خارجية روسيا وأمريكا أعلنا، الأربعاء، تمديد وقف إطلاق النار في سوريا 48 ساعة جديدة رغم الخروقات التي حصلت منذ ليل الاثنين، أول يوم من سريان تلك الهدنة…) (العربية، 2016/9/15).
8- وهكذا انهار وقف إطلاق النار في سوريا رسمياً يوم الاثنين 2016/9/19 بعد ستة أيام، أي أقل من أسبوع لفرضه من أمريكا وروسيا، وكان يفترض أن تقوم أمريكا وروسيا بقصف مشترك للثوار في سوريا، تحت مسمى “الحرب على الإرهاب” بعد صمود الاتفاق لسبعة أيام، الأمر الذي لم يتم بتعمد واضح من أمريكا! وبدأت أمريكا في “استراحة المهادن” ومزيد من القصف، في الوقت الذي تقوم فيه بتعديل الهدنة السابقة إلى هدنة لاحقة ظناً منها أنها تتمكن من إيجاد لقاء يجمع النظام والمعارضة قبل أن ينطفي عهد أوباما…
هذا هو ما يجري حالياً، وما تعمل أمريكا وأحلافها وأوباشها على تحقيقه… هذا ما يزعمون، غير أن واقع الحال هو أن الأزمة السورية شوكة بل شجرة أشواك في حلق أوباما، وتوابعه وأتباعه، وهو وإن كان قد صرح من قبل في وقت كان فيه أقوى مما هو عليه الآن وكانت عنده سعة من الوقت أكثر مما هي موجودة لديه الآن، ومع ذلك فقد اعتبر الرئيس الأمريكي باراك أوباما في كلمة ألقاها بشأن الصعوبات التي واجهها في البيت الأبيض (أن الحرب السورية والاجتماعات التي عقدت بشأن الأزمة السورية هي التي “شيّبته”…. وقال أوباما الخميس 4 آب/أغسطس في مؤتمر صحفي عقده عقب اجتماعه بمجلس الأمن القومي والقادة العسكريين في وزارة الدفاع الأمريكية، “أنا واثق تماما بأن القسم الأكبر من الشيب في رأسي، بسبب الاجتماعات التي عقدتها بشأن سوريا”…) (روسيا اليوم، 2016/8/5)، إن كان صرح بذلك من قبل، فهو الآن لا شك سيصرح بأقسى وأشد على نفسه من ذلك، فسيغادر بيته الأسود قائلاً: “قتلتني سوريا”… وحق له أن يصرح بذلك، فإنه على الرغم من أن سوريا تخلو من الصراع الدولي، فأمريكا هي المتحكمة دولياً حيث تستعمل روسيا وتقصي أوروبا، وهي كذلك المتحكمة إقليمياً، فالدول الفاعلة كتركيا والسعودية وإيران موالية لأمريكا، وأيضاً هي المتحكمة في النظام، وفي بعض الفصائل… ومع ذلك فإن أمريكا لم تستطع مع الأحلاف والأتباع والأشياع أن تنفذ مخططاتها في سوريا حتى الآن، وقد مضى أكثر من خمس سنوات، وهي لا تصارع سوى أهل سوريا… ولذلك لا يستغرب أن يصاب أوباما “بالهستيريا” لعدم تنفيذ مآربه، بل حتى فرقه الخاصة التي أدخلها إلى سوريا مع الجنود الأتراك، لم تستطع تلك الفرق أن تقف على قدميها في أرض سوريا، بل فرت هاربة، وصيحات التنديد بها تلاحقها، وممن؟ من الفصائل الذين دربتهم أمريكا وظنوا أنهم قد استسلموا لها!
كل ذلك لأن سوريا وأهل سوريا تتدفق فيهم المشاعر الإسلامية، وتؤثر فيهم قوى مخلصة تزيدهم توعية وتبصرة، تدفعهم للوقوف في وجه العملاء والخونة وأسيادهم من الدول الاستعمارية والطامعة في بلاد المسلمين، فكيف عندما تتدفق فيهم الأفكار الإسلامية، وتحركهم وتقودهم قيادة إسلامية مخلصة تحقق فيهم قول رسول الله e في الحديث الذي نقله الطبراني في المعجم الكبير عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ e: «عُقْرُ دَارِ الْإِسْلَامِ بِالشَّامِ»؟ ومن ثم تشرق فيهم دولة الإسلام، الخلافة الراشدة، خلافة الحق والعدل، التي تعيدهم سادة الدنيا من جديد، فيعز الإسلام وأهله، ويذل الكفر وأهله، وما ذلك على الله بعزيز ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
23 من ذي الحجة 1437هـ
الموافق 2016/9/25م