مصطلح أهل السنة والجماعة
الحلقة الثانية
أولا: في اللغة
أهل:
قال ابن منظور: “آل: أصلها أهل، ثم قلبت الهاء همزة فصارت في التقدير أأل، فلما توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفا، كما قالوا: آدم وآخر”. وقال: وأَهْلُ المذهب: مَنْ يَدين به، وأَهْلُ الإسلام: مَن يَدِين به، وأَهْلُ الأمر: وُلاتُه”[1].
قال أبو البقاء الكفوي: “أهل آل (…) أو من آل يؤول إذا رجع بقرابة أو رأي”[2]
السنة:
أولا: السنة في اللغة:
قال ابن فارس: “سن: السين والنون أصل واحد مطرد، وهو جريان الشيء واطراده في سهولة”[3]
وقال الجوهري “السنن: الطريقة، والسنة: السيرة”.[4]
وقال ابن منظور في لسان العرب: وسَنَّ الشيءَ يَسُنُّه سَنّاً أَحَدَّه وصَقَله.، وسُنَّةُ الله: أَحكامه وأَمره ونهيه؛ هذه عن اللحياني. وسَنَّها الله للناس: بَيَّنها. وسَنَّ الله سُنَّة أَي بَيَّن طريقاً قويماً….
وسَنَنْتُها سَنّاً واسْتَنَنْتُها: سِرْتُها، وسَنَنْتُ لكم سُنَّةً فاتبعوها. وفي الحديث: «من سَنَّ سُنَّةً حَسَنةً فله أَجْرُها وأَجْرُ من عَمِلَ بها، ومن سَنَّ سُنَّةً سيّئَةً...» يريد من عملها ليُقْتَدَى به فيها، وكل من ابتدأَ أَمراً عمل به قوم بعده قيل: هو الذي سَنَّه؛
وقد تكرر في الحديث ذكر السُّنَّة وما تصرف منها، والأَصل فيه الطريقة والسِّيرَة، وإذا أُطْلِقَت في الشرع فإِنما يراد بها ما أَمَرَ به النبيُّ rونَهى عنه ونَدَب إليه قولاً وفعلاً مما لم يَنْطق به الكتابُ العزيز، ولهذا يقال في أَدلة الشرع: الكتابُ والسُّنَّةُ أَي القرآن والحديث.[5]
السنة في اصطلاح المحدثين والفقهاء والأصوليين
السنة في اصطلاح المحدِّثين: ما أضيف إلى النبي rمن قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقية أو خُلقية، أو أضيف إلى الصحابي، أو التابعي، مما لا مجال للرأي فيه.
والسنة في اصطلاح الفقهاء: الحكم التكليفي الذي يسمى بالمندوب أو المستحب أو النافلة وهو ما طلب الشارع فعله طلبا غير جازم فيثاب فاعله ولا يعاقب تاركه.
كما تطلق السنة على ما يقابل البدعة، وذلك فيما يحدثه الناس في الدين من قول أو عمل مما لم يؤثر عنه r، أخذا من قوله r: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»، وهذا لفظ الإمام البخاري، وفي رواية الإمام مسلم «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».
وأما علماء الأصول فالسنة عندهم: “ما صدر عن النبي rغير القرآن من قول أو فعل أو تقرير”. وهي ما يقابل القرآن كدليل يستنبط منه الحكم الشرعي.
السنة هي طريقة الإسلام في العيش والحضارة الإسلامية
وهناك معنى أشمل من كل هذه الاصطلاحات والتعاريف، وهو أن السنة هي التطبيق العملي للإسلام على الكيفية التي قام بها الرسول r، أي جَعْلُ الإسلام طريقة في العيش بالكيفية التي طبقها الرسول r، فالسنة هي الطريقة، وطريقته في تطبيق القرآن، وطريقته في بيان أحكامه وتطبيقها، والمحجة البيضاء التي تركنا عليها وأمرنا بعدم الزيغ عنها، هي السنة، وهذا ما يفهم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: فيما روى ابن ماجه: عن العرباض بن سارية: «وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ r مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ[6]، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ، حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ».
وفي رواية: «… فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي، فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْمُحْدَثَاتِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ».
فواضح هنا أن المقصود من قول الحبيب r: «مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ»، واضح أن المعنى طريقة عيش الرسول rوالتي سار عليها من بعده الخلفاء الراشدون، وهي تطبيق الإسلام من كتاب وسنة بشكل عملي في الحياة.
فلئن تفكرنا مليا في سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعد الرسول r، والتي عقب عليها بأمره بالطاعة لهم، فلا شك أنها تطبيق الكتاب والسنة من خلال الدولة الإسلامية التي تفرض الإسلام وتطبقه طريقة في العيش، تأمل في قوله r: «مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا»، واربطه بقوله r: «تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا»[7]، واربطه أيضا بالوجاء الحافظ من هذا الزيغان عن الكتاب والسنة: وهو الاعتصام بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين أي عملهم فيكم بالمفاهيم والمقاييس والقناعات التي زرعها فيكم رسولكم rوعشتم عليها، أي تمسككم بسنة المصطفى rأي طريقته في العيش، والحضارة هي طريقة العيش وفق مفاهيم معينة، فالرسول rسن للمسلمين وأقام لهم بنيان حضارتهم، فعليهم التمسك بها والعيش على منهاجها.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الفقير إلى رحمة الله تعالى: ثائر سلامة – أبو مالك
[1] ابن منظور اللسان
[2] أبو البقاء الكفوي الكليات، ص: 171
[3] معجم مقاييس اللغة، 3/60
[4] الصحاح، 5/2138- 2139.
[5] ابن منظور اللسان
[6] قال القاري في المرقاة: “فعليكم بسنتي” أي بطريقتي الثابتة عني واجبا أو مندوبا، وسنة الخلفاء الراشدين فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي، فالإضافة إليهم إما لعملهم بها أو لاستنباطهم واختيارهم إياها انتهى كلام القاري.
وقال صاحب سبل السلام: أما حديث: “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ “، أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وصححه الحاكم وقال على شرط الشيخين، فإنه ليس المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته ﷺ من جهاد الأعداء وتقوية شعائر الدين ونحوها، فإن الحديث عام لكل خليفة راشد لا يخص الشيخين. ومعلوم من قواعد الشريعة أنه ليس لخليفة راشد أن يشرع طريقة غير ما كان عليها النبي ﷺ. انتهى
وقال الأحوذي في شرح حديث العرباض بن سارية: (وسنة الخلفاء الراشدين المهديين) فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي فالإضافة إليهم إما لعملهم بها أو لاستنباطهم واختيارهم إياها قاله القاري.
[7] قال في اللسان: الزَّيْغُ المَيْلُ،.. وقوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} أَي لا تُمِلْنا عن الهُدَى والقَصْدِ ولا تُضِلَّنا، وقيل: {لا تُزِغْ قلوبَنا} لا تَتَعَبَّدْنا بما يكون سبباً لزيغ قلوبِنا،.. يقال: زاغَ عن الطريق يَزِيغُ إذا عدَلَ عنه. وفي حديث أَبي بكر، رضي الله عنه أَخافُ إِن تَرَكْتُ شيئاً من أَمرِه أَن أَزِيغَ أَي أَجُورَ وأَعْدِلَ عن الحقّ،.
لمتابعة باقي حلقات السلسلة