مصطلح أهل السنة والجماعة – الحلقة الحادية عشرة – ثالثا: نشأة الفرق في صدر الإسلام آذن بظهور “منهج” أو “فرقة” أهل السنة
مصطلح أهل السنة والجماعة
الحلقة الحادية عشرة
ثالثا: نشأة الفرق في صدر الإسلام آذن بظهور “منهج” أو “فرقة” أهل السنة
ظهور عبد الله بن سبأ اليهودي وسوسن النصراني
عودا على زمن الصحابة رضوان الله عليهم، فقد حرص الصحابة على أن يكون المسلمون أمة واحدة من دون الناس، فلم تتفرق كلمتهم فرقا ومذاهب وطرائق،
فبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيعة المسلمين لأبي بكر رضي الله عنه انشغل المسلمون بالفتوحات وبحروب المرتدين شغلا عظيما، وكان عدل الخليفة الراشد الأول مثالا عظيما لم يجد معه أيٌّ كان مدخلا للطعن في أهليته وفضله وحقه في الخلافة، وبالمثل كان من عمر الفاروق رضي الله عنه، فكان عهدهما عهد ترسيخ قوة الدولة ونقلها إلى مرحلة العالمية، فدحروا الفرس والروم وأنهوا امبراطوريتيهما في الشرق، وأقاموا الدولة على أسس متينة، ولما تولى الخلافة عثمان رضي الله تعالى عنه، وكانت الدولة مزدهرة وتوسعت الفتوحات، وبدأ الناس يدخلون مرحلة الاستقرار بعد الانشغال بالفتوحات، وكان من بطانة ذي النورين رضي الله عنه وعماله جماعة من الأمويين، منهم مروان بن الحكم وكان كاتبه وأمين سره، ومنهم معاوية بن أبي سفيان، بدأت تسري بين المسلمين حركات سرية لديها غايات وخطط وأهداف معينة، وتجمع أتباعها على أساس اتهامات معينة لأمير المؤمنين، وبرزت وجوه تدعي الإسلام وهي تبطن غيره، مثل عبد الله بن سبأ اليهودي، وسوسن النصراني، فأما ابن سبأ، فقد كره أن المسلمين انتصروا وسادوا وأزالوا الهيمنة التي كانت ليهود على المدينة والحجاز، فحاول أن يلفت الناس عن دينهم في الحجاز والبصرة ولم يستطع تحقيق شيء، فذهب إلى مصر ووجد فيها مرتعًا خصباً، فبدأ باستحداث مفهوم رجعة محمد صلى الله عليه وسلم ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾، كيف تصدقون أن عيسى يرجع ومحمد لا يرجع؟[1] ومن ثم رأى أن شق صفوف الأمة يكون بضرب مركز قوتها: منصب الخليفة، فابتدع فكرة وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه، وأنه ليس في الناس أظلم ممن احتجز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجزها، وأن عثمان أخذ حق علي وظلمه، وجعل ظاهر دعوته أنها في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليستميل قلوب الناس، وكاتب من قَبِلَ دعوته وكاتبوه حتى مضى قضاء الله تعالى.[2]
ظهور الخوارج
ثم قُتل ذو النورين عثمان رضي الله عنه، وبويع لعلي كرم الله وجهه بالخلافة، وكان ما كان في وقعة صفين، وما حصل في قضية التحكيم، فخرجت على علي كرم الله وجهه فرقة الخوارج، وكان أكثرهم من قبيلة تميم، نفروا من أن يُحَكَّمَ أحد في كتاب الله، ورأوا أن التحكيم خطأ، لأن حكم الله في الأمر واضح وجلي، والتحكيم يعني شك كل فريق من المحاربين أيهما على حق؟ وليس يصح هذا الشك، فهم مؤمنون أن الحق بجانبهم، فانتشرت فيهم جملة: لا حكم إلا لله، وأصبحت شعارا لهم، وطلبوا من علي كرم الله وجهه أن يقر على نفسه بالخطأ بل بالكفر، لقبول التحكيم، ويرجع عن شروطه مع معاوية، فأبى علي كرم الله وجهه، فهو لا يقر بالرجوع عن عقد والوفاء بعهد، ولو فعل لتفرق عنه أصحابه، ولا يقر على نفسه بالكفر، وهو الذي لم يشرك منذ آمن، وكانوا يقاطعونه حين يخطب بجملة: “لا حكم إلا لله”، وعرضوا به بأنه مشرك عمله محبط، ولما يئسوا من رجوع علي عن موقفه، اجتمعوا في منزل أحدهم، فخطب فيهم: “أما بعد، فوالله ما ينبغي لقوم يؤمنون بالرحمن، وينيبون إلى حكم القرآن أن تكون هذه الدنيا آثر عندهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقول بالحق، وإن مُنَّ وضُرَّ، فإنه من يمُنُّ ويضرُّ في هذه الدنيا فإن ثوابه يوم القيامة رضوان الله عز وجل، والخلود في جناته، فاخرجوا بنا إخواننا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كور الجبال، أو إلى بعض هذه المدائن منكرين لهذه البدع المضلة”.
ثم خرجوا إلى قرية قريبة من الكوفة تسمى “حَروراء” وسموا بالحرورية، وبالمحكِّمة أي الذين يقولون لا حكم إلا لله، وأمروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي، وسماهم المسلمون بالخوراج لخروجهم على علي وصحبه، وقد حاربهم الإمام علي في وقعة النهروان الشهيرة، وهزمهم وقتل منهم كثيرا، ولم يُبِدْهم ولم يُبِدْ فكرتهم، وبقوا شوكة مؤلمة في خاصرة الدولة الأموية وكادوا يقضون على الدولة الأموية في بعض وقائعهم وظل المهلب بن أبي صفرة يحاربهم ويعاني في قتالهم الشدائد والأهوال سنين طويلة. وما ضعفت قوتهم إلا أيام العباسيين.[3]
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الفقير إلى رحمة الله تعالى: ثائر سلامة – أبو مالك
[1] وفكرة الرجعة هذه أخذها ابن سبأ من اليهودية فعندهم أن النبي إلياس عليه السلام صعد إلى السماء وسيعود فيعيد الدين والقانون، انظر كناب أحمد أمين فجر الإسلام 269-270 عن الأستاذ نور الدين التميمي في مقالته: أهل السنة والجماعة
[2] مقالات الإسلاميين للأشعري ج 1 ص 50 بتصرف، عن مفهوم أهل السنة والجماعة لنور الدين التميمي حفظه الله تعالى
[3] بتصرف عن كتاب فجر الإسلام لأحمد أمين
لمتابعة باقي حلقات السلسلة