مصطلح أهل السنة والجماعة
الحلقة السابعة عشرة
الأفكار المتعلقة بالاعتقاد
ولكن المتتبع للكتاب والسنة يرى نوعا ثالثا من الأفكار التي تعتبر من القضايا المتعلقة بالاعتقاد، لأن الموقف المطلوب اتخاذه حيالها هو موقف التصديق، وذلك مثل مسألة: هل رأى الرسول rربه ليلة معراجه الشريف؟ أم لم يره؟ فهي مسألة متعلقة بالاعتقاد (بالتصديق)، جاءت أدلتها ظنية في ثبوتها أو دلالتها، أي إن الظن تسرب إليها، مما يجعل موقف المسلم تجاهها هو التصديق بأحد القولين بترجيح أحدهما بناء على غلبة الظن، ولكن، ونظرا لتشديد النكير في القرآن الكريم على اتباع الظن في الاعتقاد، فإن الموقف حيال هذه الأفكار هو التصديق بها وتحريم إيصالها إلى مرتبة القطع، وذلك لأن القطع بها يفضي إلى تكفير المخالف لها، ولكنها قضايا ظنية في ثبوتها أو دلالتها، وبالتالي فأنّـى يبنى التكفير على الظن؟
تسمى مثل هذه القضايا بالقضايا المتعلقة بالاعتقاد، وهي من مثل مسألة حدود عصمة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومسألة رؤية الله تعالى يوم القيامة، وما إلى ذلك من المسائل التي يحتمل أن يكون رأي أي من الفريقين المتنازعين فيها صوابا والآخر خطأ، وبالتالي فلا يجوز أن يبنى عليها تكفير لأي من الفريقين للطرف الآخر.
القضية ليست بهذه السهولة
على أن دائرة الاختلاف قد لا تكون دائما بهذه السهولة، فكما مر معنا قبل قليل: ثمة قضايا يوجد فيها خيط رفيع بين الاختلاف المحمود والاختلاف والفرقة المذمومة.
ومع ذلك، فالإسلام لم يترك الناس هملا في هذه القضايا، فقد وطد أسس إقامة العقيدة على أساس القطعية والصحة والتدليل، ورفض التخريص والشك، وَبَيَّنَ الدائرة التي يجوز البحث فيها، وتلك التي يمنع البحث فيها، وسار الصحابة النجب على تلكم الطريقة فلم تفترق كلمتهم، فخطأ منهج المتكلمين، وخطأ طريقة البحث في بعض القضايا يعود على من أخطأ لا على الإسلام ومنهجه.
بعد انتقال الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى، واتساع رقعة الدولة الإسلامية، ودخول المسلمين في مناظرات مع غيرهم، تسربت إلى الثقافة الإسلامية الكثير من الآراء، بحثها المسلمون ليعطوا رأي الشرع فيها، وتنازعوا في الكثير منها، ونشأت الفرق الإسلامية المتعددة، من أمثال الشيعة والمعتزلة والخوارج والجبرية وغيرها.
لقد غاب عن أذهان الكثير من أهل هذه الفرق وهي تتنازع فيما بينهما أيها على الحق في هذه المسألة أو تلك، غاب عن أذهانهم النظر في طبيعة الأفكار التي اختلفوا فيها، أهي من الأفكار التي يترتب عليها الخروج من حظيرة الإسلام إلى الكفر، أهي من الأفكار الأساسية في الاعتقاد، مثل إثبات وجود الله سبحانه أو إثبات القرآن الكريم، أو القطع بنبوة الرسول عليه الصلاة والسلام، أو القطع بالنار وعذابها، أم هي من الأفكار التي يمكن الخلاف فيها، دون أن يترتب على ذلك الخلاف إخراج من الملة، فيبقى الكل متسمين بالاسم الذي سماهم القرآن الكريم به: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الحج: 78]
حرمة الاختلاف في أصول الدين
لا يشك عاقل في أن المسلمين قد نهاهم رب العالمين عن الاختلاف في أصول الدين، تلك الأصول التي لا بد أنها مقطوع بها، وبالتالي فلا يمكن لأحد أن يتخذ حيالها إلا أحد موقفين: إما الأخذ بها أو إنكارها، وبالتالي فأحد الموقفين يفضي إلى الإيمان والآخر إلى الخروج منه إلى الكفر.
ولا ننكر أن كثيرا من الخلافات تطرقت إلى قطعيات، نتج عنها خروج كثير من حملة تلك الآراء من مسمى: المسلمين إلى مسمى الكافرين.
لكن كثيرا جدا من الخلافات لم تكن منتمية إلى تلك المنطقة الحرجة التي منعنا من الخوض فيها، بل كانت في قضايا فرعية، مثل مسألة الخلاف في فهم بعض الآيات المتعلقة بالصفات.
فالإسلام وهو يبقي بعض هذه القضايا في دائرة الخلاف المحمود، فإنه يضع الضوابط الدقيقة للتعامل مع مثل هذه القضايا حتى لا يكون للرأيين المحتملين رأي ثالث ينسف الإيمان من جذوره.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الفقير إلى رحمة الله تعالى: ثائر سلامة – أبو مالك
لمتابعة باقي حلقات السلسلة