بورما ليست بحاجة إلى محققين ومتملقين
وإنما هي بحاجة إلى خليفة للمسلمين
الخبر:
بدأت المقررة الخاصة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان يانغي لي جولة في إقليم أراكان (غربي ميانمار) لتفقد أحوال أقلية الروهينجا المسلمة، والتحقق من الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة ضدهم. وذلك بعد أن نفت لجنة رسمية تحقق في العنف، مزاعم بأن قوات الأمن تحاول دفع الروهينجا إلى الرحيل وقالت إنه لا يوجد دليل على أن القوات ارتكبت عمليات اغتصاب.
عقد في القاهرة الملتقى الأول للحوار من أجل تحقيق السلام في بورما تحت عنوان “نحو حوار إنساني حضاري من أجل مواطني ميانمار (بورما)” وذلك للوقوف على أسباب الصراع والكراهية كخطوة أولى نحو تحقيق السلام للمسلمين وكافة الأديان والأعراق وسط اهتمام إعلامي دولي
التعليق:
إن الحوادث الإجرامية اليومية بحق مسلمي الروهنجيا لها تاريخ طويل من القمع والاضطهاد، وهي ليست وليدة يوم أو شهر وسنة، فمنذ احتلال أراكان عام 1784 من قبل الملك البوذي (بوداياي) وضمها لإقليم ميانمار خوفاً من انتشار الإسلام، والاضطهاد والتعذيب والتنكيل لا يكادون يفارقون المسلمين من قبل البوذيين هناك. والذي استمر أيضا بعد احتلال بريطانيا لميانمار حيث أمدّت البوذيين بالسلاح ليوقعوا مذبحة بحق المسلمين راح ضحيتها حوالي 100 ألف مسلم عام 1942.
لقد استمر احتلال البوذيين لأراكان وأذاقوا أهلها على مر تلك السنين ألوان العذاب والهوان، وكان آخر مخططاتهم الشيطانية منذ عام 1982 عندما تم تطبيق قانون الجنسية الذي تم بموجبه حرمان المسلمين من تملك العقارات وتقلد الوظائف بالإضافة إلى حرمانهم من جميع حقوقهم الإنسانية، ليبدأ مسلسل تهجيرهم من أرضهم وبيوتهم من خلال القتل الجماعي الذي يمارس ضدهم والحرق الممنهج لبيوتهم وقراهم ومحالهم وأسواقهم التجارية، وترويع أطفالهم واغتصاب نسائهم، وممارسة أبشع الجرائم الإنسانية التي وصلت إلى حد حرق الرجال والأطفال والنساء وهم أحياء، ناهيك عن آلاف الغرقى في البحر أثناء الهروب من جحيم البوذيين، وآلاف المعتقلين والمشردين، إذ تم تهجير ما يقرب من 100 ألف مسلم منذ عام 2012.
هذه الجرائم التي أعادت إلى أذهاننا محاكم التفتيش التي أقيمت لمسلمي الأندلس على يد المجرمين الإسبان في حملتهم لتنصير المسلمين آنذاك، لتأخذ مأساة الروهنجيا طابعاً ديكتاتوريا عرقياً ممنهجاً، إذ رغم ادعاءات تغيير نظام الحكم عام 2010 والذي قيل بأنه أصبح مدنياً ديمقراطيا بعد أن كان عسكرياً ديكتاتورياً، إلّا أن وضع مسلمي الروهنجيا لم يتغير بل زادت وطأة العنف والقتل والتهجير الممنهجة ضدهم، بدعم وتغطية من الحكومة الرسمية، وبتجاهل وصمت رهيب من قبل حكام المسلمين الذين يكسرون صمتهم بين الحين والآخر بإرسال المساعدات الإنسانية. فلا الديمقراطية ولا الدكتاتورية تغير أحوال البشرية وليس فقط حال أهلنا في بورما، فكلاهما سيان في الجرائم ضد الإنسانية.
ناهيك عن تخاذل علماء المسلمين العالمين بأحكام الدين وسيرة رسولنا الكريم، لأخذ دورهم الحقيقي بحث هؤلاء الحكام وجيوشهم المرابطة في ثكناتها، لنصرة المسلمين المضطهدين بالأفعال لا بالأقوال، ولرفع الظلم بالقوة العسكرية لا بالمسايرة والتنديدات، ولا بالدعوة لمزيد من اللقاءات والحوارات والتي كان آخرها تحت عنوان “نحو حوار إنساني حضاري من أجل ميانمار” وبرعاية شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين الذي دعا إلى نزع فتيل الحقد والكراهية، مع التأكيد أنه لا سبيل إلى ذلك إلا بالتطبيق الحاسم لمبدأ المواطنة الكاملة والمساواة التامة بين أبناء الشعب الواحد بغض النظر عن الدين والعرق. وقد جاءت هذه الدعوة بعد المدح المتزايد لوصايا بوذا التي تدور على المحبة والإحسان للآخرين!! وأن البوذية فيها تعاليم إنسانية وأخلاقية في المقام الأول!! وأن هذا القتل والاضطهاد لم يعد يليق بشعب له تاريخ حضاري عريق كشعب بورما!! وبعد هذا المديح المنافي للحقيقة وللتاريخ دعا شيخ الأزهر إلى ضرورة وقف هذه الصورة القاتمة التي تؤذي مشاعر الإنسانية في الشرق والغرب!!!! لينتهي الملتقى باتفاق على إرسال وفد من العلماء لإرساء السلام في ميانمار!!
ولن نستثني أيضا المواقف الدولية التي عجزت أمام وحشية البوذيين في حين نراها تعقد العزم على محاربة (الإرهاب) وتشن الحروب في بلاد المسلمين وذلك بعد جلسة أو جلستين لمجلس الأمن، ولا أيضاً البعثات الأممية التي لا زالت تجيء وتروح لتثبت الانتهاكات بحق المسلمين في بورما، وكأن الصور الأليمة والأخبار الدامية والشهادات الحية لا تزال أدلة ناقصة بأعراف القوانين الدولية وعمل المنظمات الإنسانية والحقوقية. في حين إن زيارة مبعوثة الأمم المتحدة تأتي بالتزامن مع تقارير تفيد بارتكاب الجيش في ميانمار عمليات اغتصاب وقتل وتدمير بحق المسلمين هناك، أدت إلى فرار نحو 65 ألف شخص إلى بنغلاديش. فهل هذه التقارير هي الأولى من نوعها؟! وهل أصبحت زيارة مسلمي بورما من ضمن بروتوكولات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان؟!
هل أصبحت نواة حل أزمة مسلمي بورما وفق علماء المسلمين بالجلوس على مائدة الحوار بدل أن تكون الدعوة إلى قطع يد البوذيين وغيرهم ممن تطاولت على المسلمين في كل مكان؟ وهل أصبح الحل أيضا بتكثيف الزيارات والبعثات للجلوس مع القاتل لمعرفة سبب إجرامه والدافع وراء وحشيته ولإحصاء القتلى والمشردين، في حين إن الهدف واضح وضوح الشمس في الظهيرة ألا وهو القضاء على الإسلام ومنع انتشاره بإخضاع وإذلال المسلمين في كل مكان؟؟
تغيب الحلول بغياب الراعي الحق، ذلك الراعي الذي لا يقبل الدنية في دينه ولا يرضى بالتفاوض مع المجرمين، ولا يضع يده بأيدٍ تلطخت بدماء المسلمين، ولا يحتكم للطاغوت، إنه خليفة المسلمين، الذي سيبعث الطمأنينة في النفوس، وينشر الإسلام هداية للشعوب، ويرسل الجيوش لتدك العروش، تلك العروش الطاغية والظالمة ليحل مكانها عدل الرحمن وشرع خالق الإنسان.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رنا مصطفى