العقدة الكبرى والعقد الصغرى
الحلقة السابعة
إن الإنسانَ بوصفه إنساناً مجرداً من المفاهيم الصحيحة التي أراد له الله سبحانه وتعالى أن يحملها ويسير عليها إنما هو إنسان معقّد، مليء بالعقدِ الكبرى والصغرى، فهو صاحب الطغيان إذا استغنى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى، أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى)، وهو القَتور: (قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا)، وهو الهَلوع: (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا)، وهو العَجول: (وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً)، وهو الظَّلومُ الْجَهول: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)، وهو المعرضُ النائي بجانبه إذا أنعم الله عليه، وهو ذو الدعاء العريض إذا مسّه الشرّ: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ). وهو الخصيم المبين لله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ)، وهو اليؤوس القَنوط: (وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ)، وهو الفرِحُ بما يُؤتى، وهو الكفور: (وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ)، (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ)، (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ)، وهو الكنود لربه: (إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)، وهو شديد الحب للخير: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ).
والمتعة لا تصلح أن تكون غاية اقرأ قول الله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ، ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ، مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ)، والمتعة يكون الإحساس بها في وقتها، وبعد زوال وقتها يثور السؤال المعتاد: وماذا بعد؟ أو: وبعدين؟ فهي وإن كانت أشبعت حاجة عضوية، أو مظهراً من مظاهر الغرائز، ولكن ذلك لا يعني إلا إشباع هذا المظهر أو تلك الحاجة، ولكنها لم تحقق الإشباع النفسي ولا الإشباع الروحي، إلا إذا ارتبط إشباعها بحل العقدة الكبرى، وانظر إلى شقاء الغرب بعد فكرة الحريات، وبعدما فعلوا كل ما يريدون، وما تسوله لهم أنفسهم، وما سولته لهم شياطينهم، وبعدما حققوا كل ما أرادوا من متع، تراهم يعيشون في شقاء دائم، وانظر إلى نسب الانتحار عندهم كيف ترتفع عند الأغنياء منهم، والمشهورين، فلو حقق لهم المال سعادة لما انتحروا، ولكنهم أحسوا بعدم جدوى وجودهم في الحياة، أي فقدوا طعم الحياة، رغم ما حققوه من متع.
الحل الصحيح للعقدة الكبرى:
قلنا إن أسئلة العقدة الكبرى هي: من أين جئت؟ ولماذا؟ وإلى أين؟
وقلنا إن إجابة هذه الأسئلة يكون بإعطاء فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة، وعن علاقتها جميعها بما قبلها، وعن علاقتها جميعها بما بعدها.
والجواب العقلي الوحيد الصحيح عن هذه الأسئلة هو: أن الله تعالى خلقنا من العدم، وكلفنا بعمارة الأرض بحسب أمره ونهيه، وأنه سيبعثنا يوم القيامة للجزاء، الثواب والعقاب، ويجازى المحسن على إحسانه، والمسيء على إساءته، فالصلة بما قبل الحياة الدنيا، هو أننا والكون والحياة مخلوقون لخالق، وأرسل إلينا أوامرَ ونواهي لنسير بحسبها، فتكون الصلة بما قبل الحياة الدنيا صلتين: صلة الخلق والإيجاد من العدم، وصلة الأوامر والنواهي، وتكون الصلة بما بعد الحياة الدنيا صلتين أيضاً، صلة البعث والنشور، وصلة الثواب والعقاب على الأوامر والنواهي.
وهذا الحل هو فكرة كلية غير تفصيلية، عما قبل وعما بعد، وهذا الحل يشكل القاعدة الفكرية التي يبني عليها الإنسان أفكاره ومفاهيمه، ويسير سلوكاته بحسبها.
كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير
أبو محمد – خليفة محمد – الأردن
لمتابعة باقي حلقات السلسلة