دور العلم والغزو التبشيري في هدم الدولة الإسلامية
الحلقة الأولى
محاولات لإدخال الأدوات
سعت الدول الغربية للقضاء على البقية الباقية مما يحمله المسلمون من أفكار وأحكام نابعة من إسلامهم لتبسط سيطرتها على بلاد المسلمين، فوضعت نفسها في حالة حرب حضارية بينها وبين المسلمين، وقد أخذت حربهم هذه أشكالاً متعددة، فإلى الجانب العسكري والذي عانوا منه في حربهم الصليبية بسبب صلابة المسلمين وصبرهم على الجهاد، وجهوا حملاتهم التبشيرية عن طريق الغزو الثقافي لتضليل الأمة الإسلامية وتحويلها وسلخها عن دينها وتاريخها ليثيروا شكوك المسلمين في دينهم ويزعزعوا عقيدتهم، بالإضافة إلى كسب النصارى من أهل البلاد الإسلامية إلى جانبهم.
انتشرت الجمعيات التبشيرية في كثير من البلدان الإسلامية وكانت معظمها جمعيات تابعة لفرنسا وأمريكا وبريطانيا، والتي كان لها الدور الأبرز في توجيه المتعلمين من المسلمين بالإضافة إلى توجيه وترشيد الحركات القومية لإبعاد المسلمين عن رابطة إسلامهم ولإثارة النعرات العنصرية.
وكانت اسطنبول وبيروت المركزين الرئيسين اللذين اتخذوهما قاعدة لهم. ولم يكن اختيار المبشرين لاسطنبول بالذات كمركز رئيسي لنشاطهم مجرد مصادفة بل لأنها وكما يقول “بلس – كاتب ملخص تاريخ التبشير” أنها محط أنظار المسلمين وعاصمة أمير المؤمنين وفيها بيضة الإسلام على اتساع رقعة العالم الإسلامي. لذلك سعت الإرساليات التبشيرية للتواجد فيها بشكل أو بآخر مما يساعدها على رصد الحركات السياسية ومتابعة التطورات أولاً بأول تحت ستار الخدمات الطبية والتعليمية والتبشيرية.
أما مركز بيروت فإلى جانب إنشاء الكليات والمدارس لتحويل الناس إلى الغرب وإلى أفكار الغرب، فقد تم تشجيع الموارنة هناك للدعوة إلى إحياء الأدب القديم والعودة باللغة الفصحى إلى صفاتها الأولى، وكان منهم ناصيف اليازجي والأب لويس شيخو، وذلك لتوجيه المسلمين إلى ما يسمونه العروبة ولحملهم على اعتناق القومية العربية، بالإضافة إلى إصدار الكتب والمؤلفات عن الأفكار الغربية، والتي كان لها الأثر الكبير في إزالة الإسلام من العلاقات والمعاملات وطرق العيش وفي هدم الدولة الإسلامية.
ولم يقتصر أمر الاهتمام بالغزو التبشيري والثقافي على أمريكا وفرنسا وإنجلترا بل شمل أكثر الدول الكافرة ومنها روسيا القيصرية. فعلى الرغم من تباين منهجها السياسي وفق مصالحها الدولية، إلّا أنها ساهمت مع البعثات التبشيرية الأخرى في القيام بدورها في محاربة الإسلام، متفقين جميعهم على تحقيق غاية موحدة وهي بعث الثقافة الغربية في الشرق وجعل عقيدة فصل الدين عن الدولة عقيدة للمسلمين مع تمجيدهم للغرب وحضارته.
وقد اقتصر نشاط الإرساليات الروسية القيصرية على فلسطين فحسب، وكان الألمان من أوسع الإرساليات الأجنبية نشاطاً في فلسطين ثم جاء الإنجليز وبعدهم الأمريكان تحت شعار السياحة والتنقيب عن الآثار والتجارة وأعمال الخير الصحية والعملية والإنسانية. وقد وجهت هذه الإرساليات غزوها الفكري نحو العالم الإسلامي الذي سموه الشرقَين الأدنى والأوسط، تمهيداً لانقضاض الحملات العسكرية الأجنبية على الدولة الإسلامية بهدف تصفية الحسابات القديمة منذ الحروب الصليبية.
وسنذكر في الحلقة القادمة إن شاء الله البلاد الأخرى التي تمركزت فيها الإرساليات التبشيرية مع كشف الغطاء عن مؤسسيها والغاية التي حققوها في تلك البلاد.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رنا مصطفى
2017_02_19_Art_The_role_of_the_missionary_invasion_in_the_demolition_of_the_Khilafah_1_AR_OK.pdf